الحراكات الشبابية الفلسطينية في قطاع غزة (2010_ 2020) أسباب النجاح والفشل

TR15 سبتمبر 2021آخر تحديث :
الحراكات الشبابية الفلسطينية في قطاع غزة (2010_ 2020) أسباب النجاح والفشل

فادي الشيخ يوسف

مقدمة:

تعرف اللغة الحراك بأنه الحركة، والتي تعبر عن كل مظهر عام من مظاهر النشاط، وهي بذلك ضد السكون. وهي ذات دلالة على حركة احتجاجية ونضال سياسي من أجل تغيير الوضع السائد إلى وضع أكثر استقراراً أي حراك سياسي واجتماعي ضمن المكان نفسه.

يرتكز الحراك بشكل أساسي على فعل تقوم به الجماهير بهدف احداث تغييرات بنيوية في البيئة الاجتماعية والسياسية، وهو يحدث في الأغلب، تلقائياً أي بدون موعد محدد وغالباً ما يكون سلمياً ويخلو من العنف إلا إذا تماطلت السلطة الحاكمة في تلبية مطالب الجماهير، مما يؤدي إلي حالة من الفعل وردة الفعل، لأن الحراك في أساسه هو حالة جماهيرية تكون غير منظمة وفجائية، ومدته على الأغلب غير محددة بتاريخ، حيث من الممكن أن تنتهي أو تطول حسب الاستجابة وتحقيق الهدف سواء كان آنيا أو بعيد المدى، وفق مقتضيات ومتطلبات الحراك لكنه في نهاية الأمر يبقى إطاره وصفته الأساسية هي السلمية.

والحراك في أصله الاصطلاحي مرتبط بشكل أساسي بعلم الاجتماع الذي يصنفه كظاهرة داخل المجتمع حيث يتصل الحراك داخل مجتمع ما، بانتقال الفرد أو مجموعة من الأفراد من مستوى طبقي إلى مستوى آخر مما يؤكد على أن الحراك يتطلب وجوداً مجتمعاً طبقياً. أي الناس يناضلون من أجل تحقيق مصالحهم مع اقتران ذلك بمستوى إدراك الفرد لمطالبه والذي يولد نتيجة فعل الصراع، وذلك على عكس بنية الحراك السياسي الذي تلعب فيه مكونات أساسية لاحداثه والمتصلة بشكل أساسي بالعملية السياسية والاتجاهات السياسية كالأحزاب السياسية من خلال قيامها لاحداث الحراك السياسي بالأساس كالتنشئة السياسية والمنافسة على السلطة؛ بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية والتي تعمل على تقديم نفسها كبديل عن التنظيم السياسي والمكون الأساس للسلطة، إلا أنه مع ذلك لا يخرج مفهوم الحراك السياسي عن إطار الحراك الاجتماعي وذلك لأن الحراك كمفهوم يشير إلى حالة الانتقال سواء المرتبطة بالممارسة السياسية، أو الاجتماعية كصلب أساسي في الحراك لتحقيق أهداف معينة.

يرتبط مفهوم الحراك بشكل أساسي بحالة انتقال طبقة أو فئة اجتماعية من حالة ركود إلى حالة تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويسعي الأفراد للتحول من مكانة إلى أخرى داخل إطار الجماعة الواحدة والتي تدفعها إلى تبني أسلوب جديد ونوعي كل مرة من أجل احداث هذه النقلة.

تبدو الحالة الفلسطينية عامة، وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة مؤهلة على الدوام، لأن تتبنى بشكل دائم المطالبة بحالة الانتقال إلى واقع مغاير، نظراً لعدم ثبات حالة الاستقرار، وللظروف الاستثنائية التي يمر بها الكل الفلسطيني في قطاع غزة، خصوصا في ضوء ثنائية الاحتلال والانقسام، وربما كانت ذروتها قد بدأت تتأخذ مساراتها مع بدء حالة الانقسام الفلسطيني عام 2007 والتي أثقلت كاهل المواطن الفلسطيني عبئاً فوق أعبائه خاصة مع بداية تشكيل سلطته الذاتية في ظل وجود احتلال.

تمثل تلك التعقيدات التي يمر بها قطاع غزة، خصوصية قوضت -للأسف- فرص المواطن عموماً والشباب خصوصاً في ممارسة أدوراهم ضمن تهالك في النسيج الاجتماعي، خصوصاً في ضوء فشل الأحزاب السياسية في لعب أدوار حقيقية لمعالجة كافة التصدعات التي باتت تلامس كافة جدران النظام السياسي الفلسطيني، واكتفاء تلك الأحزاب من خارج طرفي الانقسام، بلعب دور الوسيط لرأب صدع الانقسام، وهو ما جعل تلك الأحزاب تفقد الكثير من رونقها، والتي فقدت بشكل كبير ثقة المواطن فيها، خصوصا في ضوء ما بات متعارف عليه بين المواطنين “باستسلام كل فصيل للقوى الحاكمة لمنطقة نفوذه وحرمانه من حقوقه التي يمتلكها التنظيم السياسي الرئيسي”

شكلت تلك الحالة بداية لخروج الفعل من دائرة الحزب إلى دائرة قوة الشعب والتي بدأت كبذرة، تمثلت من خلال الوقفات الاحتجاجية المستقلة التي قام بها الشباب الفلسطيني في قطاع غزة في العام 2010، وكنتيجة لممارسات قوى أمن (حماس) المتمثلة في إغلاق المؤسسات الشبابية وبعض المساحات التي أفرزتها هذه المؤسسات من ملتقيات وتجمعات شبابية. لتنتقل هذه الوقفات إلى حالة مستمرة، وتكون باكورة لنشوء الحراكات الشبابية التي عرفت وصنفت وفق زمن محدد على النحو التالي:

  • حراك 15 آذار عام 2011 والذي حدد مطالبه بإنهاء الانقسام
  • ·         حراك 29 نيسان 2015
  • ·         ائتلاف شباب الانتفاضة 2015
  • حراكات مطلبية آنية امتدت منذ عام 2016 حتى عام 2018 والتي كانت تطالب بمواجهة أزمات قائمة كالكهرباء وتحسين ظروف العيش لدى الشباب
  • حراك (بدنا نعيش) 2019

الحراكات الشبابية في قطاع غزة … معطيات وأسباب:

بالعودة إلى أهم جزء في مفهوم الحراك، باعتباره عن موجات احتجاج ونشاط جماهيري مفتقر للأيدلوجيا إلى حد كبير وغير مرتبط بحزب مباشر ولكنه في الأغلب حصيلة ونتيجة لمعارضة أيدلوجيا الحزب الحاكم، مما يفرض على الحراك أن يأخذ الطابع العلماني مثلاً في مواجهة السلطة الدينية أو العكس.

 إلا أنه في صلب معطياته وبنيته الأساسية ينطلق من أجل المطالبة بحالة الانتقال وتحسين الظروف. وبالنظر للحالة الفلسطينية التي منحتها حالة الانقسام تعقيداً جديداً إلى تعقيداتها نجدها مهيأة بشكل دائم للمواجهة ضمن سلم (الحراك الصاعد) والذي يطالب بشكل دائم الهرم الأعلى في السلطة إلى ضرورة انتقال الفئة المتضررة من حالة ثبات أو توازي مع حالة الهرم الأعلى الذي يحتكر السلطة ويتفرد بها. وبما أن لكل حراك محرك أساسي يدفعه للحدوث أو يدفع بناشطيه إلى المطالبة بحدوث التغيير فإن معطيات الحراكات في غزة يمكن ترتيبها كالتالي:

_ثورات الربيع العربي في تونس ومصر عامي 2010_ 2011: والتي شكلت نقطة بارزة وتحول أساسي في دور الشباب بالشارع والمشهد الفلسطيني بأشكال وطرق متفاوتة بشكل عام، وتعد هذه المرحلة المعطى الأساسي الذي دفع بالشباب إلى محاكاة نموذج هذه الثورات أملاً منه بإحداث التغيير الذي أفرزته هذه الثورات على المنطقة العربية بأكملها، على الحالة الفلسطينية، حيث ظهر تعبير الحراك في الساحة الفلسطينية كتعبير عن الشعور بالفراغ السياسي وعدم قدرة البنى السياسية على القيام بمهمات المشروع الوطني، وتعد هذه الثورات أهم الدوافع لتحريك المياه الراكدة في المشهد الفلسطيني حيث دفعت بالشباب إلى تحديد هدف محدد وآني برز في لحظة معينة مع توقع أن يؤدي تحقيق الهدف (انهاء الانقسام) والذي برز في حراك 15 آذار حيث المطالبة بتغيير مجمل مكونات المشهد السياسي.

_ الفراغ السياسي والشعور بعدم وجود قيادة وأطر سياسية فاعلة تعمل على تطوير برامج وقادرة على مواجهة التحديات الخارجية

_ ابتعاد الشباب عن العمل السياسي المؤطر: وهي الحالة التي نجمت نتيجة تشوه العلاقة بين الشباب والحزب السياسي في ضوء هيمنة مفاهيم المنفعة الحزبية، وتحول الأحزاب عن الاهتمام بالشباب إلا من خلال دائرة الاستغلال والتوظيف لقضاياهم، دون تبني رؤى حقيقة لتطوير واقع الشباب والنهوض به، مما أدى إلي عزوف الشباب عن العمل السياسي المباشر والمؤطر، ضمن منظمات ووفق رؤى فكرية وأيدلوجية مما أدى إلى انهيار كثير من المنظمات الشبابية أبرزها اتحادات ومجالس الطلبة التي تعتبر نواة التنشئة السياسية والفكرية لقوة الشباب حيث ارتبطت بمصلحة قوى الحزب الحاكم للمنطقة وللمؤسسة التعليمية مما أدى إلى افراغها من مضمونها الأساسي كمدخل أساسي للمشاركة السياسية للشباب في الحقل السياسي الفلسطيني، ولقد كانت تلك المؤسسات الشبابية مثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين، والاتحادات الطلابية في الجامعات الفلسطينية، مكون وشريك أساسي في رسم  وصناعة القرارات، داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، بالتالي حرم الشباب هذه الفرصة المكفولة لهم كمكون مجتمعي أساسي.

_ السياسات الاسرائيلية في ظل انتفاضة 2000 : والتي دفعت بالشباب إلى التركيز على المقاومة العسكرية كرد فعل على الاعتداءات، بالإضافة إلى وجود حالة مقاومة شعبية سلمية ظهرت في عام 2015 حراك (ائتلاف شباب الانتفاضة)  والذي جاء كرد فعل على ممارسات الاحتلال بالقدس بما عرف (بهبة القدس) وعملية القمع الممنهجة التي مارسها الاحتلال ضد المدنيين في القدس فركز الشباب في ذلك الوقت على خلق أسلوب مقاومة جديد ونوعي عبر الضغط على الاحتلال في مناطق تواجده وتماسه بمظاهرات سلمية استطاع الشباب من خلال هذا الحراك تقديم نموذج مقاومة جديد تبنته الفصائل فيما عرف بعد ذلك (مسيرات العودة).

_ النفور من العمل الحزبي واحتكار السلطة من قبل قيادات تستمر في مناصبها دون تغيير وبدرجة من التفرد، ويتبع أيضاً رفض تبني أنماط عمل تحتاج إلى نفقات مادية كبيرة ولعل ذلك برز في الحراكات المطلبية المستمرة والتي بدأت ذروتها 2017 حتى 2019 والتي كان آخرها حراك (بدنا نعيش) والذي جاء نتيجة تراكمات حراكات مطلبية احتجاجية على الظروف الاجتماعية والتي تأثر منها المجتمع بشكل كامل وليس الشباب فقط.

_ انسداد وانعدام الأفق الاجتماعي أمام الإنسان الغزي في ظل تكرار تجربة العدوان الاسرائيلي دون تحقيق أي هدف من الأهداف التي جرت من أجلها المواجهة ولعله كان أبرز الدوافع والمحركات لحراك (29 نيسان) حيث مر الغزي بتجربة 50 يوم عدوان عام 2014 أفقدته 2322 شهيد، وزادت معدل الفقر المدقع بنسبة تجاوزت 65%، وارتفعت معدلات البطالة آنذاك إلى 41.1%، وتكبدت المؤسسات الاقتصادية والزراعية خسائر بواقع 500 منشأة اقتصادية دمرت، و550 مليون دولار خسائر زراعية. حرب دمرت وشلت عصب الحياة في غزة ولم تحقق فيها القوى الحاكمة أي منجز معيشي لمواطن جر لمواجهة عسكرية طويلة وثالثة في أقل من عامين.

_ مميزات الحراكات:

لم تنفصل هذه الحراكات في أشكالها عن طبيعة الحراك في مفهومه الأصلي باتخاذها طابع السلمية والشكل المدني الحضاري للمطالبة بتحسين ظروفها الاجتماعية أولاً ثم السياسية ثانياً والتي تعد دوائر متداخلة في الحالة الفلسطينية نظراً لخصوصيتها بحيث تواجه في أصلها قوى احتلالية تنزع عنه صفة شرعية المقاومة وقوى أمنية تقوض أداءه ومشاركته السياسية في تحسين الظروف القائمة وبالتالي فإن هذه الحراكات صنعت بصمتها الخاصة والتي أرخت بظلالها على الميدان بمميزات أخرى ونوعية استفادت منها وجيرتها لتحقيق أهدافها النبيلة وأهمها:

  • استطاع الشباب صناعة ثقل ميداني معنوي لدى الشعب بعد فقدان الأمل بالتغيير وتقويض حرية الشعب بسياسة العصا والبلطجة الحزبية وفق السلطة الحاكمة حيث أعادت هذه الحراكات رغم صفتها الشعبية امتلاكها للمحرك الأساسي للثورة وهو الشباب الذي جير كل أدواته لتبقى الحراكات في حركة مطالبة مستمرة قد تهدأ وقتاً طويلاً لكنها لا تفنى ولا تموت.
  • خلقت هذه الحراكات حالة تصادم جديدة مع قوى أخرى خارج إطار الحزب وهو ما يعرف بدور المثقف الحقيقي في بنية المجتمع حيث شكلت هذه الحراكات فريق من الداعمين أغلبهم من المثقفين والذين يمتلكون حضوراً قوياً في المشهد الثقافي وبذلك أعادت فكرة المثقف إلى أصلها بأنه المصباح الذي يضيء للسلطة أماكن عتمتها وظلامها.
  • استطاع الشباب الضغط على الأحزاب لاستعادة مسارها الصحيح، ودورها الأساسي في الحركة الوطنية من خلال الاهتمام بالتنشئة السياسية التي تسمح للكل بالمشاركة، صحيح أنه لم تطبق أغلب الأحزاب ولكنها طرقت الباب ولفتت الانتباه إلى هذا الدور، وأحدثت صدى، إذ استطاعت الجبهة الشعبية على سبيل المثال أن تشكل من نفسها وسيط لحماية للشباب أمام بطش قوى الأمن.
  • لفت انتباه القوى الأمنية إلى دور الشباب الحقيقي في تغيير المسار السياسي والمشهد السياسي بأكمله حيث سمحت للشباب بالتفاوض المباشر معها لتحقيق المطالب بما يضمن عدم التأثير على مصالحها السياسية، والتي شهده حراك (إنهاء الانقسام) والتي شكلت فيه حماس وفد للتفاوض من الناشطين والمؤثرين في الحراك.
  • ·         كان التركيز في الحراكات على ما ترفضه أكثر من سعيها إلى ما تقبله فهي لم تحدد أهدافها بشكل شامل وواضح واختارت أغلبها بقرار متفق عليه أن تكون لديها بنية قيادية جماعية تعارف عليه فيما بعد باسم (الناشطين) أي المحركين الأساسيين للحراك بعيداً عن شكل البنية التنظيمية التقليدية.
  • ·         تبني فكرة الفعل المباشر في الميدان بالتوازي مع وسائل التواصل الاجتماعي كمحرك وداعم لفكرة الحراك والذي أدى بشكل كبير دور فعال في ظل غياب صوت اعلامي مستقل يرصد انتهاكات قوى الأمن للاحتجاجات السلمية والتي واجهت وضحدت كل الروايات التي تتبناها قنوات الاعلام الحزبية وفق مصالحها السياسية وثقلها في الميدان، وهي أنماط جديدة ومبتكرة استطاع الشباب ابتداعها لاحداث التغيير في الرواية المرئية على وجه الخصوص.
  • ·         ثبات نقطة انطلاق الحراكات والتي اتخذت من منطقة (الجندي المجهول) في أغلبها رمزاً وساحة للحراك وإن اختلفت مطالبه أو جهة المواجهة بين سلطة احتلال أو سلطة سياسية حاكمة وهو تأكيد دائم من الشباب على تمسكهم بالرموز والثوابت الوطنية في مواجهة رواية التخوين التي تستسلها السلطة الحاكمة ففي حراك (برافر لن يمر) استطاع الشباب مساندة الفلسطيني المقيم بالنقب والذي يواجه مخطط تهجير من قبل الاحتلال من ساحة الجندي المجهول وهي ذاتها الساحة التي طالبت بها القوى السياسية انهاء الانقسام.

الحراكات الشبابية بين النجاح والفشل:

تتبنى هذه الجزئية من الورقة الاطلاع على تجربتين من الحراكات الشعبية الغزية تحديداً وذلك لأسباب تتعلق بمعطيات حالة هاتين التجربتين،  وارتباط  كل واحدة منهم بالمواجهة الأصلية والمشكلة السياسية الأولى والأساسية للانسان الفلسطيني وهي (الاحتلال) وممارسات القمع الممنهجة ضده، والثانية لارتباطها بإفساد النسيج الاجتماعي وأثرها البعيد والمتواصل حتى الآن على الشكل المدني للإنسان الفلسطيني وهي (الانقسام) وأثره على البنى الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني من حيث تراجع في بناء المشروع الوطني وتحقيق الحلم الفلسطيني بالتحرر والتحرير واحداث التفكك في البنية الاجتماعية وغيرها من الآثار السلبية التي أعدمت كينونة الفلسطيني في نظر العالم ككل.

أولاً: تجربة حراك 29 نيسان عام 2015

جاء هذا الحراك كفكرة شبابية بديلة للمقاومة العسكرية غير المتكافئة مع الاحتلال وهي المقاومة السلمية أو المواجهة السلمية مع الاحتلال بهدف احراج الاحتلال أمام العالم والذي يحاول اثبات انسانيته الدائمة في تعامله مع شعب محتل وأسباب أخرى تتعلق بدعم ومساندة الشباب الغزي لشباب الضفة الغربية بغرض تخفيف حدة المواجهة والقمع التي يمارسها الاحتلال ضد الشباب هناك.

واتبع الحراك في أسلوبه عملية الخروج الشعبي المنظم بشكل أسبوعي في نقاط التماس والمواجهة مع الاحتلال، واستطاع هذا الحراك تشكيل عمل منظم يخلق ويسمح للكل الفلسطيني بالمشاركة حيث دعا في مؤتمره كل الفصائل لضرورة الالتفاف حول مطالب الشباب بتبني أسلوب المقاومة السلمية، وشكلت هذه الأهداف من نفسها حالة أساسية للقياس عليها معايير النجاح وأسباب الفشل لمحاكمتها وتفنيدها والتي يمكن رصدها كالتالي:

معطيات النجاح لهذا الحراك:

  • الهدف الوطني الذي اجتمع عليه الشباب والذي شكل دافعاً هاماً في الهوية الوطنية الفلسطينية وهي مقاومة الاحتلال.
  • ·         فتح خطوط مواجهة جديدة مع الاحتلال تهدف إلى احراجه والتخفيف من سياسته القمعية ضد المدنيين.
  • ·         إعادة شكل المقاومة الشعبية إلى مسارها الصحيح خاصة وأن سياسات الاحتلال منذ عام 2000 أي بداية الانتفاضة الثانية دفعت بالشباب إلى التركيز على المقاومة العسكرية غير المتكافئة في كل مرة والتي استطاعت دولة الاحتلال استغلالها بنزع صفة المقاومة عن الفلسطيني.
  • ·         تبني الفصائل لأساليب مقاومة جديدة استطاعت أن تطبقها لاحقاً وتتبناها وفق خططها للمواجهة والتي عرفت لاحقاً ب(مسيرات العودة)

أسباب الفشل:

تقوم سياسية الاحتلال في أصلها على المماطلة الدائمة في الاستجابة للمطالب الفلسطينية، ولأن ارتباط هذا الحراك بالهوية الوطنية فإن المواجهة في أصلها مستمرة ولا تعني الفشل المطلق ولكنها في الأغلب قد تجهض أمام مصالح القوى السياسية أحياناً أو لفقدان قيادة الحراك لدفة التأثير الأقوى كمسار الاعلام أو الاستمرار على التأثير الشعبي ويمكن تصنيف أسباب الفشل في المنحيين السابقين وهما:

  1. مماطلة الاحتلال للاستجابة للمطالب وحصر دور المطالبة بقنوات التفاوض الرسمية والتي لا يشارك فيها الشعب غالباً، مما أدى إلى امتداد الهبة زمنياً بما زاد من عبء الانتظار على المواطن، لتحقيق مطالب حياتية أخرى وهي تعتبر مقدمة على دوره الوطني أمام حاجته الانسانية، بالتالي فقدان حماسة الشعب للفكرة في ظل عدم تبني واضح للمؤسسة الرسمية للحراك.
  2. عدم تفاعل الفصائل والأحزاب الوطنية مع الحراك والتي كان يمكنها إحداث ثقلاً للحراك، بما قد يدفع أغلب الشعب للاستمرار خاصة وأن الفصائل تعتبر صاحبة التأثير الأقوى والأعلى نظراً لامتلاكها قوتي الاعلام والتواجد الميداني على الأرض وبعض الانجازات الوطنية في تاريخ مواجهتها مع الاحتلال.
  3. تقويض المهمة الشعبية من أجل حماية مصالح القوى الحاكمة بالتالي استطاعت قوى الأمن اجهاضها عبر اتباع سياسة القمع بحجة حماية المواطن من قمع الاحتلال (سياسة العصا تحميك من رصاصة)

ثانياً: حراك 15 آذار عام 2011:

يعتبر هذا الحراك الشكل الأولي والأساسي لمحاكاة التجربتين في تونس ومصر وثورات الربيع العربي عموماً حيث استفاد الشباب من الأجواء المحركة والدافعة وتجييرها نحو تحديد هدف مع توقع حدوثه في ظل موجات التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية، واتساع دائرة الانتشار لأصوات الشباب عبر قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي بالاضافة إلى حالة الفراغ السياسي التي كان الانقسام صاحب التأثير الأكبر فيها، بالإضافة إلى نزعة الشباب الفلسطيني الدائم بأنه صاحب الأولوية الأولى والأحق بين الشباب العربي للمطالبة بالتغيير والانتقال إلى ظروف أحسن تليق بكينونة الفرد الفلسطيني الذي لابد وأن ينهي حالة الانقسام ليتفرغ ويستطيع مقاومة وانهاء الاحتلال على أرضه. لذا يعتبر أهم ما يميز هذا الحراك هو صبغته الاجتماعية التي تهدف إلى التغيير في المشهد السياسي كاملاً والتي أثرت على شكل المجتمع المدني.

معطيات النجاح:

  • شكل الشباب فيه المحرك الأساسي والفاعل من حيث دوره كداعي للحراك وفاعل في ميدان وساحة الحراك.
  • ارتبط هدف الحراك بتحسين الظروف الاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على النسيج الاجتماعي والبنية الاجتماعية بالتالي هنالك حاجة انسانية اجتماعية ومطلبية لنسبة كبيرة من المجتمع.
  • قوة التأثير والتغيير التي أحدثه الثورات في تونس ومصر شكلت دافع قوي للشباب الفلسطيني.
  • كسر الحراك حواجز الخوف التي أرستها قوى الأمن بغزة في مواجهتها الدائمة لأي حراك شعبي بدءاً من عام 2007 حتى عام 2009 فيما يعرف (الصلاة في العراء) والتي خلقت لدى الشعب رقابة ذاتية تمنعه من المشاركة في أي وقفة احتجاجية ضد سلطة الأمر الواقع في غزة لذا كان الحراك محركاً جديداً لجذوة أخمدتها عصا الأمن.
  • ·         يعتبر الشباب الغزي الفئة الأكثر تضرراً بالتالي هي القوة الأكثر حقاً وأولوية لاحداث التغيير والمطالبة بتحسين الظروف بل وتغيير المشهد السياسي كاملاً الذي أثر على البنية الاجتماعية.
  • ·         استخدام قنوات التواصل الاجتماعي كصوت مرئي رديف في ظل التفرد بالمؤسسة الاعلامية الرسمية.

أسباب الفشل:

  • حداثة التجربة بحد ذاتها على الشباب الفلسطيني حيث كانت الدوافع أكبر من فكرة التنظيم، أي أن الشباب كان يريد التجربة والمحاكاة ولم يمتلك النفس الطويل والخبرة الكافية لخوض الحراك والذي يرجع في أصله إلى التنشئة الفلسطينية المرتبطة بأيدلوجيا الحزب الواحد التي لم تكن قد تفككت بعد لدى الشباب حيث تبنيهم للتراتبية التقليدية في الحركة على عكس فكرة الحراك والمرتبط بعدم تبني أيدلوجيا محددة ولون واحد.
  • عمليات الإفشال الممنهجة والتي اتبعتها سلطة الأمر الواقع بغزة عبر افرازها لمجموعات تتداخل في ساحة الحراك وتحييد مطالب الجماهير بما يتوافق مع مصالحها الحزبية.
  • سياسة القمع والتهديد والملاحقة الأمنية التي اتبعتها قوى الأمن أرهقت قدرة الشباب على المواصلة والاستمرار خاصة في ظل عدم وجود وسيط حماية يحاسب الأمن على الاختراق القانوني بحقهم كمدنيين.

السياسة الأمنية المتبعة في مواجهة الحراكات

إن هدف أي سلطة في أصلها هي تحقيق حالة من تنظيم الأدوار بين أفراد المجتمع بما يحقق المصلحة المجتمعية ويضمن المشاركة للكل في بناء شكل حضاري اجتماعي للدولة؛ إلا أن السلطة لدى الفلسطيني في شكلها الخارجي تبدو ديموقراطية وفق خطوط حددتها اتفاقيات السلام المؤقتة مع الاحتلال أي لم يشارك فيها الكل الفلسطيني في أصله. بالتالي سمحت لأن تفرز من نفسها سلطة مضادة لقوة الشعب وحاجات الشعب ومطالبه إضافة إلى أن خصوصية سلطة الأمن بغزة هي سلطة جاءت بفعل الانقلاب على السلطة الأصلية، أي أن السياسية الأمنية في حماية حقوق المدنيين هي سياسة شائكة من شأنها أن تعيق ممارسة المواطن لفعل المواطنة بالأصل وبالتالي يظل المواطن مصلوباً بين واقع يضربه يقمعه ومأمولاً يتمناه ويتوق له في ظل شوائب تزيد من تعقيد واقعه تعقيداً، ولعل السياسة الأمنية في جوهرها بغزة ترتكز على حجة شعبية محمية من قوة الشعب وهي (حكومة المقاومة) وهي صفة اكتسبها الحزب الحاكم نتيجة فوزه بالانتخابات التشريعية لعام 2006 والتي دفعت بالاحتلال إلى استغلال هذه الصفة بتقويض ممارسات هذه الحكومة عبر حصار الشعب بغزة فاتخذت السياسة الأمنية للحكومة بغزة من الاحتلال شبحاً كبيراً يهدد فرصها بأن تمارس أفكارها وأدوراها المنوطة والتي اختارها الشعب وفق برنامجها الانتخابي فاعتمدت في سياستها لمواجهة الاحتلال مسارين:

الأول: مسار التخوين وهو مسار يكاد يكون منتشراً بين الأوساط المتشابهة كسوريا مثلاً بأن كل الحراكات التي تواجه وتطالب بحقوق المواطن هي حراكات مدفوعة ومشبوهة يحركها الاحتلال بهدف نزع شرعية الحكم عن هذه السلطة وتفكيك البنية الاجتماعية أي أن الشباب هم أداة الاحتلال لطمس هوية المقاومة وهي الشكل الأسهل والأقرب للتأثير على الأغلبية الجماهيرية، ثم تليها درجة التحريض والتي ظهرت جلياً على الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام بين رام الله وغزة حيث أن القوى الشبابية هي قوى مدفوعة من قبل سلطات رام الله للانقلاب على سلطة غزة والعكس كذلك.

الثاني حرف البوصلة وهي سياسة تكاد تكون مشروعة في ظل المواجهة الدائمة مع الاحتلال، وتستغلها قوى الأمن نتيجة ارتباط جزء كبير من سياستها بسياسة الجناح العسكري للحزب الحاكم عبر جر الشعب لمواجهة عسكرية آنية تهدف اخماد الحراك وهي مرتبطة بالمسار الأول والذي تستغله الحكومة بما يعرف (أولويات المواجهة)

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق