الانتخابات الفلسطينية والشباب.. نقطة انطلاق نحو مراكز صنع القرار

TR10 أبريل 2021آخر تحديث :
الانتخابات الفلسطينية والشباب.. نقطة انطلاق نحو مراكز صنع القرار

طلال أبوركبة

مقدمة:

يقف الفلسطينيون على عتبة عام من الانتخابات المتتابعة والتي ستبدأ بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في آيار القادم، ومن ثم الانتخابات الرئاسية للسلطة الفلسطينية، ثم استكمال عقد الانتخابات بتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بالانتخاب حيثما أمكن، وبالتوافق الديمقراطي في الأماكن التي يصعب فيها إجراء الانتخابات للشتات الوطني الفلسطيني.

التوجه الفلسطيني نحو متتالية الانتخابات تلك، والتي جاءت عقب التوافق ما بين حركتي فتح وحماس، تعتبر الخطوة الأولى في انهاء مرحلة الانقسام السياسي الفلسطيني، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة التعددية السياسية، وتجديد كافة هياكل وبنى النظام التي عانت على مدار سنوات الإنقسام من تآكل في شرعيتها، ووفرت للأسف للعديد من القوى الدولية  الإقليمية الفرصة السانحة للتلاعب بالقضية الفلسطينية، والمصير الوطني، سواء عبر صفقة القرن الترامبية، أو إجراء اتفاقيات للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، والتنكر للحقوق  الوطنية للشعب الفلسطيني كما أقرتها المواثيق والأعراف الدولية.

وجد الفلسطينيون ضالتهم في الانتخابات كمخرج لإنهاء أو -محاولة لإنهاء-الانقسام، واتفقوا على إدارة العملية الانتخابية وفق نظام التمثيل النسبي الكامل (القوائم)، بدلا من النظام الانتخابي المختلط والذي أجريت وفقه الانتخابات التشريعية الثانية 2006، علماً بأن الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى والتي جرت في العام 1996، كانت قد تمت وفق نظام الدوائر (الأغلبية)، ليصبح الفلسطينيين بذلك قد جربوا الأنظمة الانتخابية الرئيسية الثالثة منذ قيام السلطة الفلسطينية في منتصف تسعينات القرن الماضي حتى الأن.

جاء التوافق على اجراء الانتخابات، كما لو أنه لحظة حلم انتظرها طويلاً الشباب الفلسطيني ليعبر من خلالها عن تطلعاته وأماله، ويفرض رؤيته على الكل الفلسطيني، خصوصا وأنه على مدار سنوات الإنقسام الطويلة عاني من حالة التهميش والاقصاء للتفكير في الذهاب إلي انتزاع حقوقهم المسلوبة، سواء على مستوى المشاركة السياسية في بنية النظام السياسي، أو على مستوى التمثيل داخل مؤسسات صنع القرار، وذلك من خلال الترشح للانتخابات في قوائم شبابية أو من خلال تمثيل حقيقي داخل الأحزاب السياسية والكتل النيابية التي تنوي دخول المعترك الانتخابي، مستفيدين من النسبة العددية التي يشكلها الشباب داخل المجتمع الفلسطيني عامة والتي تبلغ ما يقارب 22% من إجمالي السكان للفئة العمرية من 18-29 سنة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أو من خلال نسبتهم العالية جدا في السجل الانتخابي إذ بلغت نسبة الشباب للفئة العمرية 18-29سنة ، ما يقارب من 40% من إجمالي الناخبين المسجلين والذين يحق لهم الاقتراع بحسب احصائيات لجنة الانتخابات المركزية، وترتفع هذه النسبة إلي أكثر من 60%، للفئة العمرية أقل من أربعين عاماً.

دفعت تلك المعطيات الرقمية الأمور لدى كافة الفصائل والقوى ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام، الي الانتباه إلى الدور المحوري والحاسم الذي يمتلكه الشباب في العملية الانتخابية على مستوى الاقتراع والتأثير في النتائج، وبات استحضار الشباب في الخطاب اليومي لكافة القوى والحركات ثابتاً من ثوابت ذلك الخطاب.

يدرك المتابع لواقع الشباب أن تلك المعطيات الإحصائية لا تعكس بالضرورة وحدة موقف لدى الشباب الفلسطيني في التعاطي مع القضايا والهموم التي يعانوا منها، كما أن هذه الشريحة تمتاز بالتنوع الكبير في الأراء والتوجهات السياسية والفكرية، وأنه من غير الممكن لأي باحث أن يضع كافة الشباب في سلة واحدة، في التعاطي مع الانتخابات القادمة، أو أن يكون حاسما في توقع توجهات الشباب الانتخابية خلال المرحلة القادمة.

تحاول هذه الورقة البحثية تقديم قراءة في واقع الشباب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، مدى قدرة الشباب على استغلال الانتخابات التشريعية كنقطة انطلاق نحو مراكز صنع القرار في الحالة الفلسطينية.

الشباب الفلسطيني … فجوة في التعريف

يصنف المجتمع الفلسطيني باعتباره من المجتمعات الفتية على مستوى العالم، إذ يشكل الشباب ما يعادل خمس السكان في الأراضي المحتلة، بنسبة تعادل 23% من إجمالي السكان فيه، وذلك للفئة العمرية (18-29) سنة[1]، هذا ولقد تركت الأمم المتحدة للدول الحق الكامل في تحديد فئة الشباب بما يتفق وثقافتها،  إلا أن تحديد سن الشباب في المجتمع الفلسطيني لا يزال يعاني من الضبابية وعدم الاتفاق داخل المجتمع الفلسطيني، وباستثناء قانون الشباب الذي أقرته كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس في المجلس التشريعي المنحل، لا يوجد قانون متفق عليه على تحديد سن الشباب، وهناك اشتباك كبير ما بين قانون العمل وقانون الطفولة في الواقع الفلسطيني حول السن الذي تبدأ معه مرحلة الشباب.

ينعكس هذا التباين وعدم الاتفاق في الحالة الفلسطينية على تعريف محدد لسن الشباب، إذا ما توجهنا إلى الثقافة السياسية السائدة في النظام السياسي الفلسطيني بشقيه السلطوي والمعارض، حيث ترى النخب السياسية والمجتمعية أن الشباب نظرياً باعتبارهم يمثلون فئة عمرية لا تتجاوز الخمسة والثلاثين من العمر، ولكنها ترى أن التعريف السياسي لفئة الشباب يجب أن يتجاوز هذا العمر لاعتبارات أهمها ان النظام الداخلي واليات تنظيم العمل الحزبي والسياسي الفلسطيني لا يسمح للشباب في الفئة العمرية النظرية من الوصول الى مراكز صناعة القرار او المستوى الاول من الكادر الحزبي، ولذلك فان مصطلح قيادات شابة في النظام السياسي الفلسطيني تتطلب توسيع الفئة العمرية لتصل الى سن الاربعين[2].

معطيات حول واقع الشباب الفلسطيني:

تشير كافة المعطيات والأرقام والمؤشرات الإحصائية إلى الواقع الصعب الذي يمر به الشباب الفلسطيني على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تشير معدلات البطالة بين الشباب الفلسطيني قد بلغت خلال العام 2019، 38% بواقع 23% في الضفة الغربية مقابل 63% في قطاع غزة، فيما تبلغ نسبة الأسر الفلسطينية التي يرأسها شباب ما نسبته 15%، وأن هنا ما يقارب من 124 ألف شاب يعملون في القطاع غير المنظم ويشكلون ما نسبته 37% من إجمالي العاملين الشباب في فلسطين، إضافة إلي أن نصف الشباب ليسوا في دائرة العمل أو التعليم/ التدريب، حيث أن 50% من الشباب (18-29 سنة) خارج العمل والتعليم/ التدريب (الشباب غير المنخرطين في عمل او ملتحقين في التعليم/ التدريب) في العام 2019، بواقع 41% في الضفة الغربية مقابل 64% في قطاع غزة، أما على مستوى الجنس فقد بلغت النسبة 33% و68% للذكوروللإناث على التوالي[3].

أما على مستوى المشاركة في الحياة العامة فتشير المؤشرات إلى أن 13% فقط من الشباب يشاركون بفعالية في الحياة العامة منهم (6.3%) من الشباب الذين ينتمون إلى أندية ومراكز رياضية، و(3%) ملتحقين بجمعيات أهلية أو ثقافية أو منظمات غير حكومية، و(2.4%) ينتمون إلى اتحادات ونقابات بمختلف أشكالها، فيما أقل من (1.5%) من الشباب ينتمون لأحزاب أو حركات سياسية[4].

أما على مستوى المشاركة السياسية فتشير المعطيات إلى أن نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات المحلية التي كان من المفروض اجرائها في أكتوبر 2016، الذين تتراوح أعمارهم بين (25-35) في الانتخابات بلغت 31% وهي النسبة الاكبر بين المرشحين للانتخابات المقبلة[5].

في حين كانت مشاركة الشباب على مستوى صناعة القرار دون 1%، وتبرز دارسة بعنوان “خارطة المشاركة السياسيّة للشباب في فلسطين” في عام 2014، أنّ متوسّط نسبة مشاركة الشباب بين سنّ 18-35 في حركة “حماس” بالضفّة الغربيّة والقطاع وفي الخارج، داخل المناصب القياديّة العليا تبلغ صفر في المئة[6]. فيما يشير تقرير إحصائي تم إجراؤه في العام 2018، إلى أن 0.9 % من الشباب يعملون في مهن مشرعين وموظفي ادارة عليا بواقع 1% في الضفة الغربية، و0.4% في قطاع غزة[7].

الشباب والمشاركة السياسية:

لعب الشباب تاريخياً دورا فاعلاً في الحقل السياسي الفلسطيني، سواء ما قبل النكبة أو ما تلاه، وكان الشباب هم عنوان مرحلة انطلاق الكفاح المسلح في ستينات القرن الماضي، حتى نجحوا في اعتلاء المشهد الفلسطيني عقب معركة الكرامة 1968م، وكانت مرحلة التحرر الوطني هي المرحلة الأكثر إشراقاً لجيل الشباب سواء من حيث تأسيس الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية في الشتات، أو من خلال الدور البارز الذي لعبوه في انتفاضة الحجارة 1987م في الأراضي المحتلة، وشارك الشباب خلال تلك المرحلة في صناعة القرار وحمله ميدانياً، إلا أن هذا الدور اختلف كليا مع التحول بعد أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، والتي اعتلتها مفاهيم جني الثمار النضالية، وباتت معها منظومة قيم النفعية والمصالح الضيقة هي المهيمنة على قادة العمل السياسي من الأحزاب، والتي همشت بدورها الشباب وأقصتهم بعيدا عن المشاركة السياسية الفاعلة سواء داخل أحزابهم السياسية أو في مراكز صنع القرار داخل السلطة الناشئة. وبمرور الوقت تجذرت مجموعات من المصالح للطبقة السياسية المسيطرة على مقاليد الأمور ومراكز القوى داخل بينة النظام السياسي الفلسطيني.

ساهم الإنقسام السياسي الفلسطيني الذي ضرب بعمق بنية المجتمع الفلسطيني أفقيا وعاموديا، إلي تغييب  وتعطيل العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، والفراغ الزماني والمكاني لتوقف عجلة الانتخابات، في تحويل الشباب اليوم إلى أدوات لتمكين هيمنة البطريركية الأبوية في الحقل السياسي الفلسطيني، والذي ينظر إليهم كأدوات للتضحية فقط ، على قارعة الفعل السياسي، وأدوات استقطابية للنشاط الانتخابي وليسوا جزء من الفعل السياسي ، وقوداً للانقسام وليسوا أدوات لإنهائه ، يؤمرون فيفعلون ، وحينما يطالبون باستحقاقاتهم يتعرضون لسيل من خطاب التشكيك والتخوين ويصبحوا من أصحاب الأجندات الخارجية. إلي الدرجة التي باتت معها أحلامهم معلقة في الحصول على وظيفة أو عمل جزئي ، يتزاحمون في المقاهي هربا من واقعهم المرير، يترك ما يقارب مليون ونصف شاب قريبا من خدمة السياسيين وبعيدا عن مقاعد القرار السياسي، إن صناعة هوية هامشية للشباب خاصة في ظل تعطل العملية الديموقراطية ساهمت بشكل كبير في دفعهم إلى حالة اللامبالاة والاغتراب في الهوية وهو ما نراه ونشهده اليوم من عزوف حقيقي للشباب الفلسطيني في العمل السياسي والوطني وهروب نحو ثقافة الإلهاء و التسلية  حتى وقعوا في شباك الخوف من المستقبل وانتقلوا من التفكير في  الخلاص الجمعي إلى  التفكير في الخلاص الفردي.

ما تعرض له الشباب من آثار سلبية على مدار سنوات الإنقسام، ساهم في حالة من الفصل ما بين الشباب والنخبة السياسية، فيما يمكن أن نطلق عليه (انفصال النخبة)، خصوصاً مع تراجع المشروع الوطني وانحساره وفشل الأحزاب والقوى السياسي في التقدم ولو خطوة واحدة نحو الحقوق الفلسطينية على صعيد مشروعي المفاوضات أو المقاومة.

الهيمنة على الشباب في سياق تاريخي:

تاريخيا وأمام كل حالة فشل تواجه المجتمع الفلسطيني، يكون من الطبيعي البحث عن جيل جديد من القادة القادرون على حمل الراية ومواصلة الطريق، وهو  ما حدث في الانتقال من حقل القيادة الفلسطينية ما قبل النكبة والذي هيمنت عليه القوى والأحزاب العائلية والعشائرية، إلي حقل ما بعد النكبة والذي استمد شرعيته من الأنظمة العربية مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن، إلي أن اعتلت فصائل الكفاح المسلح سلم القيادة، وصولا إلي مرحلة ما بعد أوسلو والتي أدت إلي بروز جيل انتفاضة الحجارة في قيادة العمل السياسي.

الشباب والانتخابات:

أدى غياب الانتخابات التشريعية في فلسطين، وما لازمها من انقسام فلسطيني وانفصال بين شطري الوطن، الى تعطل الحياة السياسية والحزبية بشكلها الطبيعي والفاعل، وكتم الحريات بنسب مختلفة، وانخفاض الاهتمام بالشأن العام. بالتالي انخفض بشكل ملحوظ دور الشباب الفلسطيني، بل أحيانا تعطل دورهم، في العمل السياسي والاجتماعي، فلم يعد يكترث الكثير منهم للشأن العام او المواقف المصيرية مثل مسألة القدس والأسرى وغيرها من المواضيع الحساسة والمصيرية. وقدى أدى تقييد الحريات وتعطل الانتخابات الأخرى، مثل مجالس الطلبة والنقابات وغيرها من الأنشطة السياسية الشبابية، في مناطق او ازمنة مختلفة، الى خنق الطموح بالتغيير او التأثير لدى كثير من الشباب، مما أفقدهم الشعور بحقيقة دورهم واهميته على مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية وغيرها. كما ساهم تعطيل الحياة الانتخابية الى ضعف الأحزاب بكافة اشكالها، لان منع الانتخابات او تعطيلها، تفقد الأحزاب أهمية دور الشباب في تطوير تلك الأحزاب واستمراريتها.

شكل المرسوم الرئاسي الخاص بعودة الانتخابات الفلسطينية ابرة إنعاش للشباب ودورهم الحقيقي في المجتمع.  وهو ما دفع الشباب للالتحاق بالعديد من القوائم الحزبية والمستقلة والتي بلغت 36 قائمة انتخابية من بينها ما يقارب 16 قائمة انتخابية شبابية مستقلة، في محاولة منها لاستعادة الامل بالقدرة على التغيير.

يراهن بعض المحللين والعاملين في قضايا الشباب على أن توحيد الشباب لصفوفهم وتنظيم أمورهم هو الضمانة لعكس تمثيلهم داخل مراكز صنع القرار في الحالة الفلسطينية، وخصوصا وأنهم يشكلون ثقل انتخابي قوي باعتبار أن المجتمع الفلسطيني فتي، يشكل الشباب خمس سكانه، وبالتالي يمكنهم من الناحية الرقمية والعددية الوصول بسهولة إلي المجلس التشريعي، إلا أن هذا التحليل يغفل بشكل كبير حالة التنوع والاختلاف الواسع بين تلك الشريحة، إذ لا يمكن التعاطي مع الشباب الفلسطيني أو في أي منطقة في العالم، باعتبارهم وحدة واحدة إلا من حيث الفئة العمرية والخصائص، ولكن من حيث التعاطي مع الأزمات والإشكاليات فهناك تعدد وانقسامات واختلافات بنيوية داخل فئة الشباب، ربما هي بشكل أو بأخر ذاتها تلك الانقسامات والاختلافات القائمة في المجتمع، ويمكن الإشارة هنا إلي خمسة مشاهد في أزمة التمكين السياسي للشباب في الحالة الفلسطينية والتي تعود في جوهرها إلي  حالة من الاستقطاب بين طروحات وسياسات التعامل مع تمكين الشباب وهي:

المشهد الأول: الحيرة:

تعتلي جزء كبير من الشباب الفلسطيني حالة من الحيرة حول آليات التعاطي مع ما يحدث، وكيفية فهم المتغيرات الحاصلة في الواقع الفلسطيني، ومعرفة ما هو موقع الشباب منه، ويصاحب هذه الحيرة سلوكيات شائعة تتسم بالقلق والحذر في التعامل مع مسألة الانتخابات سواء تعلق الأمر بالترشح أو الانتخاب، وهذه الحيرة في فهم ما يحدث لدى الشباب تؤدي إلي حيرة مركبة قلما احتاج الشباب إلي اتخاذ موقف واضح في التعامل مع مسألة الاستحقاق الديمقراطي، وتظهر أخر استطلاعات الرأي في الحالة الفلسطينية أن ما نسبته 30% تقريباً من المستطلعة أرائهم حتى اللحظة لا يعرفون لمن سيدلون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية القادمة.

تلك الحيرة ناجمة بالأساس عن فقدان الثقة لدى جزء من شريحة الشباب في ذاته وفي النخب الحاكمة، وتشير العديد من الدراسات الاجتماعية إلي الثقة في الذات ترتبط بعوامل ذاتية ومجتمعية، وكلاهما يؤثر في مستويات الثقة لدى الشباب سواء ثقته في نفسه وقدراته، أو في نظرته للمشاركة في الحياة العامة بشقيها المجتمعي والسياسي، وتنعكس هذه الثقة من خلال الميل للمشاركة في الأعمال التطوعية والمجتمعية باعتبارها مقدمة في إطار المشاركة السياسية لاحقاً للشباب، وهنا تشير دراسة (الشباب الفلسطيني : دراسات الهوية والمكان والمشاركة المجتمعية) إلي أزمة العمل التطوعي لدى الشباب الفلسطيني، إذ أن ما نسبته 64.6% لا يشارك في أية أعمال تطوعية بواقع 65.7% في الضفة الغربية، مقابل 69.5 في قطاع غزة، ويعزي الشباب عدم مشاركتهم في الأعمال التطوعية إلي ما أسموه “السلطة البوليسية”، وتخوفهم من آثار مشاركتهم السلبية عليهم، وتعرضهم للمسائلة من قبل السلطة الحاكمة[8].

يضاف إلي ما سبق الشيخوخة المبكرة التي يعاني منها الشباب الفلسطيني، نتيجة ما يتعرض له من ضغوط اقتصادية بسبب الفقر والبطالة، واهتزاز مبدأ تكافؤ الفرص، مما يدفعه إلي الخلاص الفردي، ويجعل الشاب يستغرق وقتاً طويلا حتى يصل إلي نقطة إشباع معقولة له، ومن ثم ينتبه إلي تعرضه للشيخوخة المبكرة بعد فتور حماس الشباب وجرأته، ليحدث حالة من الالتباس داخل الجيل بالمعنى الفكري، والفكر داخل الجيل، وتظهر ثقافة الأزمة لديه وما تحمله من استقطاب وسيولة في الحراك الاجتماعي وكذلك الأنساق الفكرية الطبيعية لكل جيل، حيث يشعر الكبار من جيل الشباب ممن فاتهم القطار بخيبة الأمل، ويتشكك الشباب الجدد في قدرتهم على الانفكاك من هذا المصير.

يتعزز مشهد الحيرة لدى الشباب في ضوء غياب قيم المواطنة، وتعنت النخب الحاكمة في التعاطي مع مطالبهم، مما يدفع الشباب إلي رفض القبول والتشكيك بمدى جدية تلك النخب فيما تطرحه من آليات لإنهاء الإنقسام، والنظر للعملية الانتخابية بنظرة كلها شك وريبة، باعتبارها عملية متفق عليها بين أطراف المعادلة في الحالة الفلسطينية، ولن تأتي بجديد. واعتبار أن كل ما يطرح هو مجرد شعار واستخدام أداتي للشباب في إطار معادلة التوازنات القائمة بين تلك النخب.

يمكن لأي متتبع على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، أن يلاحظ تلك الحيرة بين صفوف الشباب من خلال المحتوى الرقمي الذي يقدموه عبر صفحاتهم الخاصة أو من خلال تعليقاتهم على مسألة الانتخابات التشريعية، وتشكيل القوائم، وحجم التأثير والمواقف السلبية لدى الشباب تجاه نجاح العملية الانتخابية في إحداث التغيير المأمول في الحالة الفلسطينية.

المشهد الثاني: العزلة

تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن العزلة التي يجنح إليها الشباب قد تكون خيارا يسلكه البعض منهم بسبب الحيرة وفي نفس الوقت بسبب غياب قنوات التعبير، مما يضعف الحافز نحو المشاركة السياسية والمجتمعية، والبحث عن أطر بديلة.

يساهم تكريس العزلة في ابتعاد الشباب عن الحوار الهادف سواء السياسي أو الاجتماعي، ويغرق في المقابل فيما يكمن أن نطلق عليه حوار الترفيه (التفاهة)، خصوصا في ضوء عصر المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى الرقمي الهابط الذي يقدم.

وعلى المستوى السياسي فإن العزلة لا تعنى السكون وإنما الحركة في أطر منعزلة، وهي تعكس الجمود في الأطر الرسمية لمشاركة الشباب، وهو ما يؤدي إلى لاحقا إلى ارتفاع معدلات الإدمان والجريمة والتطرف بين صفوف الشباب، نتيجة فشل الهياكل السياسية والاجتماعية في استقطابهم أمام أطر سرية جديدة استطاعت جذب الشباب من خلال الاستيعاب وليس الطرد.

كما أن العزلة بين الشباب والأطر الرسمية للمشاركة قد ترجع إلى تباين أولويات النخبة للشباب وأولويات الشباب لأنفسهم، خصوصا وأن الأولويات لدى الشباب تتباين من فترة لأخرى في العمر، وهذا طبيعي، إلا أن محاولات النخبة فرض أولويات على الشباب ربما تنجح في استيعاب قسم منهم، إلا أن قسما أخر قد يعتزل النخبة ويذهب إلي فرض نفسه كواقع جديد، وهو ربما ما عكسه العدد الكبير للقوائم الشبابية المترشحة في الانتخابات التشريعية والتي بلغت 16 قائمة شبابية لم تجد لدى القوائم الحزبية الكلاسيكية ما يلبي طموحاتها فذهبت للتعبير عن ذاتها بقوائم مستقلة، بعيدة كل البعد عن النخب السياسية القائمة. خصوصا وأن الشباب على مدار سنوات صدق وعود النخب السياسية دون جدوى إلى درجة باتت معها الهوة البنائية بين المبالغة فيما تحقق له من جانب، وضآلة الملموس من الإنجازات في جانب أخر، أو كما يقول المثل العربي الشهير (نسمع طحنا ولا نرى طحينا).

المشهد الثالث: الانقسام

يدرك الجميع في الحالة الفلسطينية إلي أن الإنقسام السياسي أصاب المجتمع الفلسطيني أفقيا وعاموديا، وأن استمراراه على مدار أربعة عشر عاماً ، أدى إلي ترسيخ الفجوة بين الشباب والسياسة، وربما تكون أطراف الإنقسام على طرفي الوطن قد عمدت خلال تلك السنوات إلي توظيف ذلك الإنقسام من أجل إبعاد الآخرين عن المشاركة في السلطة وخصوصا الشباب، وتبرز الدراسات إلي ظاهرة الاغتراب السياسي والاجتماعي التي يعاني منها الشباب في المجتمعات المنقسمة تنجم عن افتقادهم للأمن والتواصل مع الآخرين، وما يرتبط بذلك من شعور بالوحدة أو الخوف، وعدم الإحساس بتكامل الشخصية، وشعور الشباب بأنهم ضحية ضغوط غامضة ومتصارعة يعيشها المجتمع ويشعر بعدم القدرة على ضبط الأحداث والتحكم فيما، وبالتالي يفقد الثقة في نفسه وتترسخ لديه قيم السلبية والقلق والرفض. وقد يحاول البعض التعبير عن أزمته بأشكال عنيفة أو ينسحب من الواقع.

تبدو تجليات مشهد الإنقسام في زيادة حدة الاستقطاب وتعدد مجالاته بين الشباب أنفسهم وخصوصا الشباب المؤطر سياسيا أي المنطوي داخل بينة الأحزاب السياسية، والذي بات يعرف القضية الوطنية من منظوره الفصائلي، إذ تهيمن عليه الثقافة الفصائلية، وتصبح معرفته بالقضية الوطنية هي معرفة انحيازية لصالح تاريخ الحزب او الفصيل السياسي، والذي يسبق معرفة الشباب عن القضايا الوطنية والتي باتت معرفة ضبابية مبهمة، إذ يعرفون عن فصائلهم أكثر مما يعرفوا عن تاريخ القضية الفلسطينية نفسها[9].

كما طال المشهد الانقسامي بين صفوف الشباب الموقف من الأطر القانونية والقبول بها، مثل الموقف من سن الترشح في الانتخابات، حيث وقف الشباب من المنتمين لطرفي الصراع شبه متوافقين على سن الثامنة والعشرين كسن للترشح، بينما كان الشباب من خارج الطرفين رافضين لهذا الشرط، ومطالبين بتخفيضه.

المشهد الرابع الصراع

إضافة لذلك فإن الانقسام بين صفوف الشباب لم يتوقف عن هذا الحد بل اشتمل أيضا المسئولية عن واقع الشباب، فبينما نجد أطراف شبابية تحمل السلطة والأحزاب والثقافة الأبوية المسئولية، نجد أطراف شبابية أخرى ترى أن الملام في هذا الواقع هو الشباب الذي ينقصه الطموح والمبادرة ويريد حقوقه على طبق من فضة دون أية مجهود، وأن الحقوق تنتزع ولا توهب، إضافة إلي أن الشباب غير مؤهل وتنقصه الخبرات والقدرات الحقيقة القادرة على تمكينه سياسا، وهو يحتاج إلي بناء معرفي ومهاراتي قبل أن يقدم على المطالبة بالمشاركة السياسية أو الخوض في العملية الانتخابية.

انعكس هذا المشهد من اللوم بين صفوف الشباب من القوائم الشبابية والتفكير بها، ليتحول إلى صراع داخل صفوف الشباب أنفسهم، وربما بالعودة إلى مسألة فشل العديد من أشكال الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تم خلال سنوات الإنقسام، مثل حراك 15 آذار لإنهاء الإنقسام الشبابي، وحراك الكهرباء، كان أحد أسبابه هي أمراض الزعامة المبكرة التي ظهرت بين التيارات المنقسمة بين صفوف الشباب (صراع من يمثل الشباب)، مما جعل تلك الحراكات والتحركات الشبابية تفشل في تحقيق أهدافها، إضافة طبعا إلي محاولات الهيمنة والقمع التي تعرضت لها.

المشهد الخامس: التحفز والقابلية للانفلات:

أمام حالة التكلس والشيخوخة التي أصابت النظام السياسي الفلسطيني، برزت ظاهرة تدافع الأجيال التي يتم استيعابها داخل النظام، وخصوصا خلال سنوات الإنقسام، وهو جعل الشباب أقرب إلى الإنفلات بالمعنى السلوكي وربما السياسي، والذي بات متحفزا للقفز حتى لو كان هذا القفز نحو المجهول، وربما هذا كان دافعا لدى الأحزاب والفصائل الفلسطينية المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة إلى تطعيم قوائمها بشباب بحثا عن استيعاب الشباب، ربما خوفا من تكرار مشهد الربيع العربي المحترق في العديد من الدول العربية.

الخاتمة:

يسعى الكل الفلسطيني إلي إعادة الروح للقضية الفلسطينية، بعد سنوات من الضياع، بفعل حالة الإنقسام، وفشل القيادات والأحزاب السياسية في العبور الآمن للشعب الفلسطيني من حالة التيه التي ضربته ولا تزال، لتأتي الانتخابات كمحاولة لتحريك المياه الراكدة، وانبعاث الأمل في تجاوز عقبة الإنقسام، وفي ذات الوقت جاءت كفرصة حقيقة للشباب من أجل الانطلاق والامساك بالفرصة ووقف استخدامهم كوقود لأي حراك سياسي دون خطة إستراتيجية شاملة يكونون هم جزءًا من إعدادها.

توفر الانتخابات الفرصة لإعادة إدماج التشكيلات والأطر الشبابية غير المنظمة في النظام السياسي الفلسطيني، والنظر للمستقبل من خلال التركيز على النخب الشبابية المتوقع صعودها خلال الانتخابات القادمة لتستطيع حجز حيزها الطبيعي الذي يتلاءم مع قدرات وتطلعات الشباب، بما يمهد الطريق لخلق وإنشاء مؤسسات وسيطة بين النخب التقليدية والجيل الصاعد بحيث تقلل فجوة التواصل ومعدلات الإقصاء والغياب عن مراكز صنع القرار، بما يولد شراكة حقيقة داخل المجتمع الفلسطيني تساهم بشكل أو بأخر في قدرة المجتمع على الصمود ومواصلة الطريق نحو التحرر والاستقلال الناجز.

تشكل الانتخابات نقطة انطلاق معطلة من الداخل، تستلزم ضرورة التفعيل الفوري بما يسمح بمرور الجيل الجديد لمراكز صناعة القرار، وبما يملكه من أدوات تفاوضية وقتالية جديدة قد تمنع المشروع الوطني الفلسطيني من الانهيار، وتحرره بشكل أو بآخر من إيديولوجيا خلاف النخبة السياسية الموجودة بعيدًا عن آليات المرور التقليدية للجيل الجديد لمراكز صناعة القرار.


[1] – الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2020,” تعداد السكان النصفي 2020 ” , الاحصاء الفلسطيني يستعرض اوضاع الشباب بمناسبة يوم الشباب العالمي 2020, رام الله http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3786

[2] – رامي مراد: ” اتجاهات الرأي للنخبة السياسية الفلسطينية حول مشاركة الشباب السياسية”، 2015، معهد دراسات التنمية، ص4

[3] – 3-     الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2019, الاحصاء الفلسطيني يستعرض اوضاع الشباب بمناسبة يوم الشباب العالمي 2020, http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3786

[4] – طلال أبوركبة: ” حول واقع الشباب في المجتمع الفلسطيني”، ورقة حقائق،2018، https://icspr.ps/ar/?p=1547

[5] -المرجع السابق

[6] – أسماء الغول: شباب حركة حماس يرون نقد حركتهم ضرورة”، 2016، مقال صحفي https://www.al

monitor.com/pulse/ar/originals/2016/04/growing-criticism-within-hamas-youth-members.amp.html?skipWem=1

[7] – الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2018 , الاحصاء الفلسطيني يستعرض اوضاع الشباب بمناسبة يوم الشباب العالمي 2019 http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3529

[8] -جميل هلال، وأخرون : “الشباب الفلسطيني دراسات الهوية والمكان “مركز دراسات التنمية، جامعة بيرزيت 2016 ، ص110

[9]  جميل هلال : مرجع سابق ، ص85.

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق