“حتى لا نكسر الجمل علشان عشوة واوي”

TR18 يونيو 2021آخر تحديث :
“حتى لا نكسر الجمل علشان عشوة واوي”

جمال زقوت

استكملت اسرائيل المصادقة على تنصيب حكومة اليميني المتطرف المستوطن (نفتالي بينت)، ورغم ذلك يبدو أن حكومتها قد نجحت بطلَّتها الأولى في تقديم نفسها كأداة للتغيير، والذي في الواقع اقتصر على استبدال نتنياهو بربيبه الأشدّ تطرفًا والأقل اكتراثًا بالتحولات الدولية، ولكن التغيير الجوهري هو أن السياسة التي قادها نتنياهو لمدة خمسة عشر عامًا، و يبدو أنه استنفذ قدرته على استكمالها، وسيعمل خليفته بينت على توطينها وتعميقها بدون نتنياهو، ولكن بدعم غالبية معارضيه السابقين الذين يُصنَّف بعضهم من الوسط أو يسار الوسط.

في كل الأحوال بعد أن روّج بعضنا لسقوط صفقة القرن، ها قد صعد إلى سُدَّة الحكم في اسرائيل من كان يُعارض هذه الصفقة من موقع أشدّ تطرفًا بكونها غير كافية لاشباع النزعات التوسعية العنصرية، ومتمسكًا بخطته المعلنة بضمّ جميع المستوطنات والمنطقة “ج”، والتي تعادل ما يزيد عن 60% من أراضي الضفة الغربية، طبعًا بالإضافة الى استكمال تهويد القدس، والعمل بكل ما يمتلك من عنصرية لمنع قيام دولة فلسطينية، بعد أن استكمل نتنياهو إسقاطها من جدول أعمال المؤسسة الحاكمة في اسرائيل، ويأتي ذلك كله بدعم أحد مكونات المجتمع الفلسطيني في اسرائيل الذي قرر الانخراط على هامش فتات بنية مشروع تمدد الدولة اليهودية كممارسة شديدة العنصرية لتقرير مصير ما بين النهر والبحر حصرًا لليهود، تنفيذًا لما يسمى بقانون القومية العنصري، والذي يفتح الصراع على مصراعيه مع دولة الأبارتايد.

اذاً نحن أمام حكومة يمين استيطاني تنتقل رسميًا لمرحلة الأبارتايد بكل أبعادها واستحقاقاتها. هذا هو المشهد الاسرائيلي الأكثر وضوحًا منذ عام 1948، والذي ترتكز أيديولوجية المعارضة فيه للتنافس حول أفضل الطرق وأسرعها لتنفيذه بأقل الخسائر.

من الواضح، وكما كان جليًا منذ إعادة انتشار الاحتلال الاسرائيلي حول قطاع غزة بقيادة شارون، أن استراتيجية اسرائيل تستهدف قضم وضم معظم الضفة الغربية واستكمال تهويد القدس، وانحصر النقاش في اسرائيل حول مدى أو نسبة هذا الضم بما لا يوقع اسرائيل بما تسميه “فخ الدولة الواحدة”، ولذا يبدو أن الحل الوسط بينهما يتماهى مع رؤية بينت بضم جميع الأراضي الواقعة في المنطقة المُسمَّاة “ج”، وإن كان على مراحل، وحصر الفلسطينيين في معازل داخل تجمعاتهم السكانية في المدن الرئيسية ومحيطها، وأما بخصوص غزة فالمهمة الوحيدة أمام المؤسسة الاسرائيلية تكمن في ترسيخ عزلها عن الحالة الفلسطينية، والخلاف في المؤسسة الاسرائيلية هو حول الثمن الذي يجب تقديمه لحكم حماس مقابل ذلك ، وبما يعالج من وجهة نظر اسرائيلية على الأقل، ضمان توفير عناصر قدرتها على النجاح دون المساس باستراتيجية الإجماع الصهيوني، بل ويُمكِّنها مستقبلًا من السيطرة على ما سيفيض عن حاجة اسرائيل من معازل في إطار مشروعها التهويدي الشامل وإلحاقه بمعزل غزة، كواحد من خياراتها الاستراتيجية ازاء مستقبل الضفة الغربية ، وربما أن مساندة “القائمة الموحدة” لحكومة ائتلاف “لبيد – بينت” سيفتح شهية اسرائيل لإمكانية المضيّ بتأهيل حماس للقبول بهذا الفتات الذي قبلته شقيقتها “الموحدة”.

هذه أبرز ملامح المشهد والاستهدافات الاسرائيلية، فماذا عن المشهد الفلسطيني الذي من المفترض أن عليه أساسًا تقع مسؤولية مواجهة ما تحمله المرحلة الاسرائيلية القادمة لاستكمال تفتيت القضية والحقوق الفلسطينية، وهل الواقع الفلسطيني واستراتيجيات السياسة المعتمدة من القوى المهيمنة على الحالة الفلسطينية قادرة على القيام بتلك المسؤولية الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية؟! الجواب المتوفر راهناً والمتناقض في آن واحد، هو أن الحركة الوطنية ونظامها السياسي بالتأكيد غير مؤهلين، ذلك رغم ما أظهره الشعب الفلسطيني في انتفاضة القدس والشيخ جراح المتواصلة وفي المواجهة العسكرية الأخيرة خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، والتي كسرت بصورة لا تقبل التأويل الركيزة الرئيسية للمشروع التهويدي المتمثل بمحاولة تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، حيث ظهرت هذه الوحدة العميقة بأقوى تجلياتها وأعادت وحدة الهوية الجامعة، وبلورت سؤال مستقبل الكيانية الموّحدة لممارسة الحق في تقرير المصير، رغم أنها لم تتمكن من كسر استمرار انقسام النخبة المهيمنة على مشهد التحكم بالمصير الوطني، وهنا يكمن التناقض الرئيسي بين إرادة الناس للوحدة، وبين المصالح الفئوية والشخصية التي تشكل الحلقة الرخوة أمام احتمالات خطر تمرير المخطط الاسرائيلي، أو إمكانية افشاله في حال الانتصار لإرادة الناس . هنا يكمن اليوم جوهر الصراع وتحديات مواجهة كلًا من معضلة الانقسام ومخاطر المشروع التهويدي الشامل معًا، وبلورة إجابات متماسكة لسؤال الحق في تقرير المصير في مواجهة قانون القومية اليهودية.

من هذا المنطلق، فإنه من العبث الانزلاق في التعامل مع مسألة الانقسام، وارتباطه بالمواجهة العسكرية الأخيرة كما لو كانت نتائجها تقوية طرف فلسطيني على الآخر، فهذا تمامًا ما تريده اسرائيل للتغلب على نقاط الضعف التي أبرزتها المواجهة، بتحويلها إلى نقاط مقتل في الاستراتيجية الفلسطينية.

يبدو للوهلة الأولى أن من حق الأطراف أن تتباين أو تختلف إزاء طبيعة ومدى المسؤولية عن استكمال متطلبات إنهاء الانقسام، ولكن من المحظور ونحن أمام كل التحديات الماثلة، وبعد هذه التضحيات الهائلة التي دفع شعبنا ثمنها، أن تنجرّ الأطراف الفلسطينية مجددًا نحو إعادة تجييش المجتمع والناس في تخندقات ومعارك إعلامية، فهذه ليست معركة الشعب الذي أبدى أعلى درجات المسؤولية في التمسك بوحدته، معريًا الانقسام ومؤكدًا أنه مجرد “دونكوشيات” لفئة ضيقة مستفيدة من حالة الانقسام واستمرار حالة التيه وتغييب الأمل، والتي ينطبق عليها المثل “ربنا بيكسر جمل علشان عشوة واوي”؛ أي أنهم يُضحون بالبلد وبتضحيات الناس ومستقبل قضيتهم لمجرد فتات يلبي مصالحهم الخاصة والفئوية الضيقة. فلا يجوز التعامل مع ما تسميه المقاومة انتصارًا كهزيمة للمنظمة أو لفتح، وكأنها أداة لتغيير موازين القوى الداخلية، كما أنه من المحظور أن يردد من هم في هرم السلطة مقولة “خلينا نشوف شو بدهم يعملوا في انتصارهم”؛ مرتكزين على انفتاح الإدارة الأمريكية على السلطة و سراب وهم التفاوض مجدداً، بما يحمله الأمران من خطر لا يقتصر على وضع العصي في دواليب الوحدة، بل وينقل نتائج هذه المواجهة وبغض النظر عن تقييمات الأطراف لها إلى مستوى جديد من الصراع الداخلي لا تستفيد منه سوى اسرائيل، حيث أن استمراره يُحَوّل المس بقدرتها العسكرية على الردع من هزيمة على الأقل معنوية إلى نصر جوهري لاستراتيجيتها السياسية بتكريس الانفصال ، وهذا تمامًا هو التدمير الذاتي. وفي كل الأحوال فإن الشعب هو الأب الحقيقي لشرعية أي إنجاز، ولسان حال الناس يقول “إما أن تتوحدوا أو فلتخرجوا من حياتنا”، فالشعب هو القائد وليس “الملطة” لسياسات المناكفة والمحاصصات الانقسامية.

الخروج من هذا الواقع يتطلب الالتزام بالإرادة الشعبية للوحدة والاحتكام لها؛ من خلال مشاركة الجميع في صنع القرار الوطني دون هيمنة أو إقصاء أو تفرد، بما يعنيه ذلك من عودة المنظمة بيتًا للجميع بطابعها الائتلافي كجبهة وطنية عريضة بدخول ليس فقط حماس والجهاد بل ومعهما كل القوى الاجتماعية والوطنية الناهضة، وألا تبقى هيئات المنظمة حكرًا لأطراف تكلس بعضها واستمرت مشاركتها الشكلية فقط من أجل استمرار الهيمنة عليها. كما أنه بالضرورة يعني أيضًا إنشاء حكومة وحدة وطنية انتقالية قوية وبصلاحيات كاملة تمكنها من تحمل المسؤولية في بلورة خطط عملية وملموسة لاحتياجات الناس وتعزيز قدرتها على الصمود ومقاومة المشروع التهويدي، بما يشمل رفع الحصار عن القطاع وإلغاء كل القرارات التي مسّت بحقوق الناس في المواطنة، وقيادة جهود وخطة اعادة إعمار القطاع كأولوية عليا في إطار خطة تنمية شاملة لتعزيز القدرة على الصمود، وليس إعمارًا يأخذ غزة بعيدًا عن مكانتها كرافعة تاريخية للوطنية الجامعة، والتحضير لانتخابات شاملة تعيد للمواطن مكانته في العملية السياسية، وليس حكومة شكلية في يد أحد لتمرير وتكريس التفرد من ناحية أو مزيد من الإضعاف لمكانة ودور السلطة من ناحية أخرى.

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق