مأزق اللحظة ومتطلبات الخروج من عنق الزجاجة!

TR19 أبريل 2022آخر تحديث :
مأزق اللحظة ومتطلبات الخروج من عنق الزجاجة!

بقلم جمال زقوت

منذ انسحاب عضو حزب يمينا ورئيسة الإئتلاف الحكومي، قررت حكومة الاستيطان العنصرية أن تعالج هذا الميزان الدقيق الخطر الذي داهمها بالذهاب لأقصى اليمين العنصري الدموي، واستثمار الانفلات الديني الأيديولوجي لغلاة اليمين الاستيطاني، فأشعلت كل ما لديها من رغبة للبقاء في الحكم على حساب شعبنا وحياة أبنائه ومعتقداتهم ومقدساتهم.

وهم اللهاث وراء مفاوضات عبثية!

هنا، وبعكس ادعاءات وزير الجيش الإسرائيلي جانتس إزاء رغبة إسرائيل بتقوية السلطة “المتهاوية دورًا ومكانة”، و إضعاف حركة حماس، جاءت اعتداءات جيش الاحتلال وهجماته الدموية في كل مكان لتكشف بصورة لا لبس فيها هشاشة مكانة السلطة وفقدانها السيطرة على أغلبية مناطق الضفة الغربية، حيث يشير مراقبون ودبلوماسيون متابعون بدقة للأوضاع الفلسطينية بأن السلطة الفلسطينية بالكاد تسيطر على أحياء رئيسية في مدينة رام الله، بينما هي لا تملك القدرة ولا تستطيع ممارسة بقايا سلطتها التي أبقاها الاحتلال خارج هذه المدينة. ببساطة يأتي هذا الأمر لعاملين الأول، وهو الأساس، جاء بفعل استمرار رهان السلطة على العلاقة مع حكومة الاحتلال وإدارة بايدن وإمكانية أن تثمر جهودها بالعودة لطاولة مفاوضات، في وقت أن السلطة الوطنية ومن خلفها قيادة منظمة التحرير لا تمتلك أيًا من أوراق القوة التي تمكنها من التفاوض، الذي يمكن أن يفضي لأي نتيجة، بل وفي حال أُجبرت اسرائيل على العودة لمثل هذه الطاولة، وهذا أمر مستبعد جدًا لعوامل متعددة ليس أقلها الانشغال الدولي بالحرب الأوكرانية، فلن تكون جولات المفاوضات، كما سابقاتها، أكثر من غطاء جديد لتشريع سياسات وبرامج اليمين الاستيطاني، واستكمال مشروع السيطرة على الأرض وتصفية الحقوق الفلسطينية.

مأزق السلطة وتململ حركة فتح!

رغم حالة التململ التي تسود حركة فتح تحديدًا وما يرافقها من استقطابات بفعل ادمان قيادتها المتنفذة على حالة الفشل الاستراتيجي والمزمن، وإصرارها على استمرار الرهان على الدائرة الجهنمية التي تأكل يوميًا من الرصيد الوطني ورصيد ومكانة الحركة التي قادت النضال الوطني لعقود، فإن ما يحققه بعض مناضلي وعناصر هذه الحركة من انجازات سواء كانت عسكرية بعمليات منفردة أو بالمشاركة الشعبية في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية حيث تستطيع كما في مدينة ومخيم وبلدات جنين وغيرها من مدن وبلدات الضفة الغربية، رغم ذلك كله، والتي تعكس حدة الاستقطاب و الململة داخل الحركة، فإن هذا الدور سرعان ما يتبدد، كونه لا يعبر عن استراتيجية عمل معتمدة، بالاضافة لحالة الرهان وقلة الحيلة المزمنة للخلية المهيمنة على مقاليد ما تبقى من مظاهر حكم للسلطة. وهذا ما يفسر بجلاء لا يقبل التأويل لحالة الغياب الواضحة والتردد حتى في مجرد عقد اجتماع لما يُسمى بالقيادة الفلسطينية بأعذار تكاد تكون فضيحة وباتت مجال تندر شعبي واسع النطاق يظهر حقيقة العزلة التي تعيشها السلطة.

الاحتلال ومعضلة إنكار واقع النهوض الوطني!

سياسة الاحتلال التي ما زالت تتنكر للواقع الذي ينهض به الشعب الفلسطيني، مستمرة في محاولة تعزيز تبعية السلطة لها، وإظهار عجزها الوطني أمام شعبها، والحفاظ في نفس الوقت على حالة الانقسام المزمن؛ معتقدة أن هذه السياسة قد تؤدي إلى إنهاك معنويات الشعب الفلسطيني، وتسليمه في نهاية المطاف لإرادة المحتل ومخططاته بما يسمى الحلول الانسانية والاقتصادية والنفخ بإمكانية بلورة قيادات مستعدة للانخراط في مثل هذه الحلول. ولعل حدة ونوعية ردود الفعل في ما بات يسمى بالعمليات الفردية “الذئاب المنفردة” من قبل شبان محسوبين أو مقربين من قواعد حركة فتح، إنما تظهر، ليس فقط حدة الاستقطاب مع مخططات السيطرة العنصرية لحكومة الاحتلال، بل وتكشف إلى حد كبير عن حالة التمرد على محاولات اختراع وتصنيع مثل تلك القيادة التي تظهر إشارات الاستعداد للتعاطي مع ما يسمى بالحلول الاقتصادية والانسانية، والتي هي في الحقيقة أيضًا ليست سوى مجرد ادعاءات تُدفع من رصيد الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني، والتي تكفلها قواعد القانون والمعاهدات الدولية لأي شعب يخضع للسيطرة العسكرية الاحتلالية.

حكومة بينت واسترضاء أقصى اليمين العنصري الاستيطاني!

في مقابل هذه الحالة المتمثلة في محاولات المزيد استرضاء العنصرية الاستيطانية للحفاظ على حكومة المستوطنين العنصرية، وحالة قلة الحيلة والفشل المزمن للسلطة الفلسطينية، والمترافقة مع عناد شعبي غير مسبوق، انفجرت مرة أخرى أحداث الأقصى، و برزت أدوار عربية للأسف عرجاء وظلت حبيسة لعبة حماية حكومة بينيت من السقوط، والتي لم تستطع في نفس الوقت أو ربما لم تكن راغبة جديًا في إسناد حالة السلطة المتهاوية، لتتسابق على من أخمد صاعق الانفجار الكبير في ساحات الأقصي صباح يوم الجمعة الماضية باعتقاد نجاحها في التزام إسرائيل بكبح يد دعاة القرابين في تلك الساحات. إلا أن حكومة الاستيطان العنصرية التي تستمر بالحفاظ على بقائها على حساب المقدسات الإسلامية ودماء الشعب الفلسطيني، وحتى كرامة من تسابقوا على ادعاءات نجاح صفقة التراجع الاسرائيلي، لم تُلقِ هذه الحكومة بالًا بذلك كله، وعادت لتغطي وتحمي الهجوم الإرهابي للمستوطنين على الأقصى، وربما بما ينذر في البدء بتنفيذ مخططات تقسيم الحرم القدسي، و إلغاء ما يعرف “بالستاتيكو” للأقصى والمقدسات الاسلامية، وبالتأكيد المسيحية لاحقًا. لقد بات من الواضح أن ما يجري هو تنفيذ بالمفهوم الإسرائيلي لعناصر ما عرف بصفقة القرن وفي مقدمتها تهويد، وليس مجرد ضم القدس المحتلة، و إطلاق العنان لأوسع عملية استيطان، والمزيد من النهب والسيطرة على الأرض في باقي مناطق الضفة الغربية، والذي تستكمله حكومة بينيت منذ اليوم الأول لتسلمها مسؤولياتها، و في نفس الوقت اعتماد سياسة العصا والجزرة التي يقودها غانتس بتفويض كامل من حكومة الاحتلال، وبما يشمل مسؤوليتها عن سياسة هدم المنازل واسعة النطاق، واعتماد قواعد اشتباك وإطلاق النار باستهداف حياة المدنيين الأبرياء كما يحدث باستمرار لمجرد الخوف والاشتباه بأي كان، وكما كان واضحًا في طبيعة الاصابة بالرأس لجرحى العدوان على الأقصى، ناهيك عن دعوات بينيت للمواطنين الإسرائيليين بحمل السلاح وإطلاق النار.

أطماع حماس للسيطرة والانفراد بالتمثيل!

في ظل هذا المشهد يتضح الدور القديم الجديد الذي نشأت في كنفه الحركة الإسلامية سواء في الأرض المحتلة أو داخل إسرائيل، فمنصور عباس مستمر حتى النهاية لإنقاذ حكومة بينيت العنصرية، أما حركة حماس التي تتربع على الطرف الآخر من المشهد الانقسامي، فلم تغادر أطماعها في السيطرة على التمثيل الفلسطيني، وذلك ليس فقط بفعل حالة الفشل وقلة الحيلة المزمنين للسلطة وتهاوي برنامجها للتسوية السياسية، بل إن حال السلطة والمنظمة هذا شجعها على إحياء هذه الأطماع القديمة، والتي طوعت وتطوع يوميًا مفهوم المقاومة نحو الإمساك بزمام السيطرة على المجتمع والشرعية الفلسطينية، يساعدها في ذلك ما أشرت إليه من واقع حال السلطة والمنظمة وحركة فتح، فكلاهما، وإن بشكل متفاوت، يلهث وراء وهم حبل النجاة الذي قد تقدمه إسرائيل لأي منهما في لعبة مسرح الدمي الانقسامية التي تًمكِّن اسرائيل من تحقيق كل ما وصلت إليه. و التي تضع الشعب الفلسطيني في تناقض تاريخي بين مدى استعداده اللامتناهي للتضحية والعناد الأسطوري لمواصلة الكفاح من أجل الحرية والكرامة، وبين التبديد المستمر كقربة مخرومة لما يحققه، بفعل فشل القوى المهيمنة على مشهد الانقسام والصراع على التمثيل، وهي المتحكمة بمقدرات الشعب، من استثمار هذه الإنجازات الشعبية الهائلة، واستمرار استمرائها لعبثية لعبة الانقسام حد التبديد لتضحيات الناس.

متطلبات نهوض حركة وطنية جديدة!

لقد بات واضحًا بما لا يدع مجالًا للشك أن حل هذا التناقض لا يمكن أن يشق طريقه العملي إلا بتوليد حركة وطنية جديدة تقوم على أساس وحدة الكفاح في الميدان لاستعادة الوحدة في السياسة والقرار الوطني، والإخلاص لمتطلبات انبثاق قيادة وطنية موحدة تتسع للجميع دون استثناء كل من لديه طاقة للنضال الديمقراطي والوطني التحرري، وتكون في نفس الوقت قادرة على حماية ليس فقط الانجازات الوطنية التي يقودها شباب الهبات في القدس وسائر المناطق المحتلة، بل وإعادة الحياة للانجازات التاريخية التي سبق ورسخها شعبنا، وفي مقدمتها صون مكانة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا وقائدة نضاله الوطني والمعبر عن هويته الجامعة في كافة أماكن تواجده، وما يستدعيه ذلك من ضرورة إحياء مؤسساتها وطابعها الإئتلافي واتساعها للجميع، ودورها الكفاحي و تطوير بنيتها الديمقراطية بالانتخاب المباشر حيث أمكن ذلك، وهي المعرضة راهنًا للتآكل بفعل سياسات الاقصاء والهيمنة والتفرد، ومعها تبديد الحقوق، التي يتضح يوميًا أن شعب فلسطين بكل مكوناته وتجمعاته لن ولا يمكن له أن يتنازل عنها وخاصة حقه في الحرية والكرامة والعودة وتقرير المصير. إن إنجاز هذه المهمة التاريخية يتطلب استحقاقات تستدعي من الجميع الارتقاء لمستوى التضحيات التي قدمها شعبنا وللإرادة وعناصر القوة الكامنة لدى كل أبنائه وبناته، وإن النجاح في ذلك سيحمي النضال الوطني من المغامرات غير المحسوبة من ناحية أو التفريط بالإنجازات والحقوق من ناحية ثانية كما أنه سيعيد الأمل لمستقبل الشعب الفلسطيني في هذه البلاد و يستنهض طاقاته المحَيَّدة على رصيف الإحباط، ويجعل من مفهوم وثقافة المقاومة الشعبية منهجًا لكل مناحي حياة الناس حتى رحيل الاحتلال وهزيمة الطابع العنصري للحركة الصهيونية.

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق