جمال زقوت
لم تبرد مقاعد لقاء شرم الشيخ “الأمني” بعد مغادرة جالسيها حتى أخرج سموتريتش عصارة عنصريته وعنصرية نتانياهو نفسه، ليس فقط بإنكار حق شعبنا المقدس في تقرير المصير على أرض وطنه، بل وبإنكار وجودنا كشعب، هذه هي الكهانية التي تجلس على مقود حكومة تنفيذ خطة حسم الصراع بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية من جذورها الراسخة في هذه البلاد، وهذه هي أوهام خرافة الرواية التوراتية بصيغتها الكهانية التي تعمل حكومة سموتريتش- بن چڤير بزعامة نتانياهو على تنفيذها فوق أنقاض ركام حقيقة وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه الطبيعية والتاريخية .
السؤال الذي يواجهنا هو ليس الخلاف على طبيعة هذه الحكومة ذات النزعات الفاشية، ليس فقط إزاء حقوق الشعب الفلسطيني، بل وحتى ازاء هوية وطبيعة دولة اسرائيل ذاتها، بل السؤال الحقيقي هو: هل يعتقد ممثلو السلطة الذين ذهبوا لهذه اللقاءات، في تعارض مع الإجماع الشعبي وادارة الظهر لمجرد وجود مؤسسات يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني ” ولو شكلياً”، يمكن لهم أن يحصدوا من هذه اللقاءات غير الوهم والخداع وتحويل السلطة برمتها إلى مجرد عصا أمنية.
فحتى اللغو حول الولاية الحصرية لأمن السلطة على المناطق المسماة “أ” ستظل مرتبطة بمدى نجاح العصا الأمنية لحماية الأمن الاسرائيلي، وبما يشمل أمن المستوطنين والاستيطان الذي يسارع الزمن للضم الصامت والمعلن الذي يقوده العنصري سموتريتش بتنفيذ خطة حكومة نتانياهو الأب الروحي للرواية التوراتية الكهانية “أرض الميعاد” حيث حق تقرير المصير فيها حصراً لليهود دون غيرهم على الاطلاق.
الجولة الأولى في العقبة جلبت جريمة حرق بلدة حوارة، ودعوات سموتريتش لمحوها، فما الذي ستأتي به جولة شرم الشيخ، بالإضافة لإعلان هذا العنصري بإنكار حقيقة الشعب الفلسطيني واعتبار وجوده في هذه البلاد مجرد اختراع طارئ “حانت ساعة معالجته”، ربما باقتلاعه وتصفية قضيته، وأيضاً ربما من وجهة نظره لا مشكلة إذا تولت قوى الأمن الفلسطينية من اسكات مجرد صراخ الضحايا خلال تنفيذ الحريق الكبير القادم.
فنتانياهو الخبير الداهية في العلاقات العامة لا يريد أن يُغضب كثيراً الحليف الأمريكي، طالما أن المخطط يسير بصمت، سواء لجهة تنفيذه أو لجهة إخماد صوت الناس المتمردين عليه في صفوف الشعب الفلسطيني. هذه هي بالضبط ما تسمى بخطة التهدئة. أن يستمر كل شيء بصمت دون احراج في مجلس الأمن، ودون اعتراض جدي في الميدان، فما يرشح عما يسمى بالتفاهمات لا يأتي اطلاقاً على مجرد ذكر جوهر الصراع المتمثل أساساً بالأرض، وبما يعني استمرار إطلاق يد حكومة المستوطنين في نهبها وضمها وتهويدها، حتى تصدُق خرافة سموتريتش ازاء خرافة “اختراع الشعب الفلسطيني”.
أما السؤال الجدي الذي يواجهنا ولم يتبقَ لدينا وقت من أجل الإجابة الملموسة عليه، وهو كيف نسقط أوهام حكومات اسرائيل ونُفشل في الميدان مخططاتها العنصرية التوسعية التي لا تستبعد الاقتلاع والتهجير لاستكمال ما لم يتمكن بن غوريون ومؤسسو دولة اسرائيل من انجازه.
وهنا تنهض أمامنا مجموعة من الأسئلة الحقيقية وهي: هل الاستمرار في وهم اللهاث وراء التفاوض يمكن أن يحمي بقاء شعبنا في هذه البلاد ناهيك عن امكانية صون حقوقه، حيث في هذا الزمن لا أحد يتحدث عن انجازها ؟!
وهل التعايش مع حالة الانقسام التي دمرت نواة الكيانية الفلسطينية تساهم في مواجهة خرافة سموتريتش؟ أم أن هذا التفتت الذي بات يهدد الهوية الجامعة وليس فقط المؤسسات الوطنية التمثيلية، إنما يساعد سموتريتش على تحقيق مخططاته، وتمكِّنه من المس بنا كشعب تجمعه أهداف ومصالح عليا باتت بفعل الانقسام معرضة للخطر الداهم؟
هل ترك أهلنا في قطاع غزة لمصيرهم تحت حكم حماس، والصمت على الأيدي السوداء التي تعبث من خلف الستار بين غزة ومقر وزارة الجيش الاسرائيلي لتمكين الامارة الحمساوية من الاسهام في وأد الوطنية الجامعة، يساهم في التصدي لخرافة سموتريتش؟ وكذلك هل اخضاع أهلنا في القطاع لعقوبات مالية وادارية، حيث لا يوجد مصطلح آخر لما اتُخذَ من إجراءات بحق الموظفين من فصل وإحالات لما يسمى بالتقاعد المالي غير أنها عقوبات غير قانونية. هذا في وقت تفرض فيه حكومة حماس ضرائب خارج القانون ووحدة التعرفة الضريبية، كان آخرها بعد إلزام الفتيات بلباس الجلباب، حيث قامت بفرض ضريبة على الخياطين بقيمة عشرة شيكل عن كل جلباب، كما تحاول فرض ضريبة خمسة شيكل على الصيادين مقابل كل كيلو سمك يرسل لأسواق الضفة الغربية، وما لذلك كله من دلالات استراتيجية على هويتنا الجامعة. إنها القاراقوشية المزدوجة والمغطاة باستمرار الحصار الاسرائيلي. فهل هذا ما يستحقه أهل القطاع حماة ورافعة الهوية الوطنية وصناع الثورة والانتفاضة؟
وكيف يمكن المضي بشعبنا نحو الكيانية الوطنية إذا استمر التواطؤ والصمت على هذا الانقسام وعلى تلك العقوبات والاجراءات القاراقوشية؟
أما السؤال الثالث فهو هل الغاء استقلالية القضاء وإدارة الظهر لصوت رجال القانون من محامين وخبراء سيحمي الحد الأدنى من العدالة التي تمثل عماد تماسك المجتمع ووحدة نسيجه الوطني والاجتماعي؟
أم أن ترك المعلمين ومطالبهم المشروعة دون معالجة في إطار التوزيع العادل للموارد، وبالتالي ترك مئات آلاف الطلبة فريسة التجهيل. هل هكذا نفشل خرافة سموتريتش؟ هذا في وقت أن سلاح الفلسطينيين الأول لمواجهة جريمة النكبة والاحتلال كان العلم والتعليم، فما بالنا ونحن نعيش عصر الرقمنة والمعرفة التي يقودها الذكاء الصناعي في عالم اليوم بينما أبناؤنا يتعرضون لضياع عام دراسي دون الاجتهاد لاجتراح حل مقبول يعيد الثقة لهذا القطاع الذي بدونه ستهدم خيمتنا وليس فقط مشروعنا الوطني التحرري.
ألم يحن الوقت لوضع الوطن ومصالح الشعب العليا فوق كل الاعتبارات الفئوية والشخصية لإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية والحكومية الجامعة وحصر مهماتها في تعزيز صمود الناس، وفي مقدمتها استعادة حقوقهم الدستورية سيما صون حقهم في التعبير، وانتخاب ممثليهم وقيادتهم وحكومتهم التي تحرص على حياة وكرامة مواطنيها، ولا تعيش الاغتراب عن همومه المتراكمة؟
هذه عينة من عشرات الأسئلة، وهي برسم الإجابة عليها، ودون ذلك فنحن في خطر المزيد من التفكك. وإذا استمر أهل الانقسام بصم آذانهم عنها، فليس أمام الشعب سوى استعادة زمام المبادرة للدفاع عن كونه شعب ويستحق الحياة والحرية والكرامة الوطنية.