المقدمة:
أثارت مشاركة حزب التجمع الوطني الديمقراطي ممثلة بالقيادي سامي أبو شحادة في مؤتمر “حزب كل مواطنيها ” وعماده الرئيس حزب ميرتس، جدلاً واسعاً داخل التجمع ولدى مجمل أطراف الحركة الوطنية في الداخل. الأمر الذي يستحق فتح وإدارة نقاش جدي وموضوعي وهادئ ازاء دلالات هذا الأمر وهل يأتي في سياق تلمس ملامح المرحلة القادمة من حيث ضرورات البحث عن أدوات كفاحية جديدة قادرة على مواجهة التحديات القادمة إزاء تصاعد الفاشية في النظام السياسي والمجتمع الاسرائيلي، وانعكاس ذلك على مستقبل قضية المساواة والمواطنة في اسرائيل ومستقبل القضية الوطنية الشعب الفلسطيني أم أنها مجرد اجتهاد شخصي وانطوت تأثيراته.
هنا ثلاث مساهمات لثلاث شخصيات سياسية واكاديمية أمير مخول، رائف زريق، ورد هنيدة غانم على رائف. نعيد نشرها على موقع أرض، ويحذونا الأمل بأن يكون ذلك بداية لفتح حوار وطني فلسطيني شامل ازاء التحديات الكبرى التي تواجه شعبنا وقضيته
المقال الأول
حول المشاركة العربية في مؤتمر ” حزب كل مواطنيها”
بقلم: أمير مخول -حيفا
“حزب كل مواطنيها” هو حزب ميرتس بحلة جديدة أو باصطفاف جديد في مركزه ميرتس، ولا بأس في ذلك وبالخروج من صدمة الاخفاق في الانتخابات والسعي لتحريك اوساط من المجتمع الاسرائيلي لمواجهة خطر الحكومة الصهيودينية ونزعنها الفاشية.
في المقابل، لا اعتقد أنّ “دولة المواطنين” بحد ذاتها هي المشروع الوطني الفلسطيني او تؤدي له، بل أن” حزب كل مواطنيها” فيه تأكيد بتعدد الصيغ وحتى المتاهات في الدولة المنشودة التي لا تحظى بتعريف واضح لعلاقتها بمشروع التحرر الوطني الفلسطيني ولا باستحقاقات الفكرة والتطبيق وما تتطلبه من مُقابل فلسطيني تجاهها.
المشروع الوطني الفلسطيني يبدأ من حقوق شعبنا في العودة والتحرر الوطني وتقرير المصير. نناضل من اجل حقوقنا المنبثقة من حوق شعبنا في البقاء والصمود والتطور ومن اجل حقوقنا المدنية كمواطنين، لكن ليس من مهامنا توفير المخارج لإسرائيل في مأزقها الوجودي.
دولة المواطنين وحزب كل مواطنيها لا يضمنا مثلا حق العودة لا للاجئين ولا للمهجرين داخل الوطن، وهناك تعارض ايضا، واستذكر هنا موقف حركة “القوس الشرقي الديمقراطي” في العام 1998 حين طالبت بأن تكون “اراضي الدولة” لكل مواطنيها، وإذ حظى بتأييد وتقبّل في اوساط سياسية وقيادية، لكننا في اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) قمنا بحملة مضادة في حينه باعتبار أن الشراكة لا تستوي هنا، فما يسمى اراضي الدولة هي املاك الفلسطينيين اللاجئين والمهجّرين الفردية والعامة، ولا نتقاسمها مع الاسرائيليين حتى ولو انهم يسيطرون عليها.
باستثناء شرائح اسرائيلية تتمثل أساساً أنصار ميرتس، فإن مصدر قلق التيار المركزي من المعارضة لنتنياهو وحكومته الصهيودينية، هو حرص هذا التيار على حماية المنظومة الاسرائيلية من هيمنة الارهاب السياسي الشريك في الحكم، وليس موقف الحكومة من قضية فلسطين والاحتلال والعنصرية والمشروع الاستعماري. بينما، ما يشغل جماهير شعبنا في الداخل كما كل شعبنا هو حماية أنفسنا وحماية قضيتنا الى ان تجد حلا عادلا.
الأمر الرئيسي الذي يبعث على التفاؤل مقابل هول المخاطر المحيطة بنا، هو عدم قدرة اسرائيل مهما كان حكامها على تجاوز قضية فلسطين او شعب فلسطين، كل ما عدا ذلك هو مبعث قلق كبير، وسيكون الثمن الفلسطيني غاليا في كل الاحوال، وسيكون أغلى، إذا لم نتصدّى للتغيير الجوهري الحاصل.
باعتقادي ان التصدي ينبغي ان يكون بمسارين واحد جماهيري عربي فلسطيني وواحد اسرائيلي في مواجهة الفاشية الحاكمة ولا مشكلة في وجود تقاطعات في المسارين تضع حدا لهذه الفاشية.
هشاشة الحالة الفلسطينية عامةً وفي الداخل على وجه الخصوص، هي أكبر خطر نواجهه، ودون تقوية تنظيمنا الذاتي في الداخل سنكون قاصرين وقاصرات عن القيام بدورنا تجاه أنفسنا كشعب وتجاه أنفسنا كجماهير شعب.
لا تستطيع الحركة السياسية بكل احزابها وحركاتها تبرير غياب جهوزيتها الكفاحية، وتغييب الوحدة الكفاحية الميدانية. إن ترك الساحة بات اٌقرب الى التقاعس.
المقال الثاني
عن العدالة والقوة والممارسة السياسية:
رائف زريق
نحن الفلسطينيون أصحاب قضية عادله ومعقده، لكن رغم تعقيدها فهي عادلة وميزان العدالة يميل بوضوح لصالحنا. لكن كما ان ميزان العدالة يميل بوضوح لصالحنا فان ميزان القوة يميل لصالح اسرائيل بشكل صارخ جدا. والحال كهذه فان كل حل عادل غير ممكن في ظل ظروف علاقات القوة، وكل حل ممكن حاليا فهو غير عادل حاليا. هذه معضلة حقيقية تواجه كل سياسي فلسطيني لان العدالة ما هي الا فكره في الذهن لكن موازين القوى هي امر واقع في الحقيقة. ورجل السياسة لا يكتفي، ولا يجب ان يكتفي بالفكرة، لان من واجبه تحقيق انجازات ماديه لشعبه -وهذه معضله.
نظرا لذلك ففي ترسانة كل سياسي فلسطيني سلتين جاهزتين من الادعاءات والحجج والافكار. سله يعول فيها على العدالة وسله يعول فيها على موازين القوى. هناك ما يكفي من العدالة كي يستطيع القائد ان يبرر كل اصناف العنف والمقاومة والمقاطعة ضد اسرائيل وجرائمها مستمدا مفرداته وادعاءاته من سله العدالة. لكنه في نفس الوقت سيجد في سله علاقات القوة ما يبرر اي حل وسط، اي تنازل، اي تعامل او تعاطي او تهادن مع اسرائيل باسم التعاطي مع الواقع ونوع من الواقعية السياسية. علما بوجود سلتين يستطيع القائد السياسي او الحزب اي يراوح بين الاثنتين كيفما شاء ومتى شاء. وعندما ينتقد خصومه يستطيع الإشارة لسلة العدالة وان يتهمهم بأنهم خانوا عدالة قضيتهم، وعندما يقوم هو بنفس الفعل او اسوء منه فانه يشير الى ضرورات الواقع وموازين القوى. لكن الى اين ذهبت موازين القوى عندما ادان غيره والى اين اختفت سله العدالة عندما برر لنفسه ما يبدو مهادنه؟
هذه وضعيه تدعو للانتهازية (مثال فقط، خطاب البعض في السلطة الفلسطينية التي تنسق يوميا امنيا مع اسرائيل وتدين مثلا ترجمه كتاب للغة العبرية لكاتب عربي باعتباره تطبيعا). والانتهازية في هذه الحالة تعني توظيف -ليس في نفس اللحظة-سلة القوة وسلة العدالة واستعمالهما بشكل انتقائي: اليوم عدالة وغدا موازين قوى. بدل ان تكون هذه الاعتبارات موجهة وضابطة للسلوك السياسي تصبح هذه الترسانة تشكل بعضا من عدة فكرية لتبرير التذبذب في المواقف. قد يكون الموقف مدفوعا بمصلحة ما لكن يجري تبريره فكريا ومعنويا، وبدل ان يكون للمبادئ دورا في ضبط المواقف، تصبح خادمة لها وتعمل لديها كي تبررها.
الإمكانية البديلة وهي الاصعب، تقتضي الجمع بين الاثنتين في نفس اللحظة وفي نفس الشخص، اي عليه ان يجيب في نفس اللحظة على سؤال القوة وسؤال العدالة، وان يقدم مزيجا او محصلة تجمع ما يبدو له المنسوب الملائم لاعتبارات القوة واعتبارات العدالة. تحديد طبيعة هذا المنسوب وهذه المحصلة العينية وهذا الفهم لطبيعة التوازنات والالتزام بنقطه التوازن العينية في هذه اللحظة هي ما يمكن ان نسميه موقف. كل ما عدا ذلك هو كلام انشائي وتعبيري لكنه ليس موقفا بالمعنى السياسي، انما مقدمات نظرية في طريقها لتكون موقفا.
يعتقد البعض ان الموقف المبدئي هو الموقف الذي يرتكز على مبدأ واحد وهذا خطأ باعتقادي، لأن هناك عدة مبادئ توجهنا وكلها هامة وشرعية لكنها كثيرا ما تتعارض فيما بينها، والموقف الحقيقي في النهاية هو ايجاد المحصلة العينية التي تجمع بين جميع المبادئ. فقط عندها نعرف اين يقف هذا الشخص او الحزب. كل ما يقال قبل ذلك هو اعتبارات وافكار، ولكن ليس مواقف.
من هنا اهمية الممارسة السياسية، التي تنزل الكلام المجرد الذي يحتمل ما لا ينتهي من التأويل الى موقع محدد عيني ومشخص. والممارسة تعني التراكم. وتعني الذاكرة السياسية واحترام ذاكره الناس واعتبارهم شركاء في التفكير.
اكتب كل هذا على إثر بوست قراته الامس للزميلة والصديقة الدكتورة هنيدة غانم تجد فيه المبررات السياسية لمشاركة النائب سامي ابو شحادة في تأسيس حزب ” كل مواطنيها” بمشاركه اعضاء من حزب ميرتس والعمل سابقا وشخصيات مثل فيصل عزايزة وابراهام بورغ. تبرر هنيدة الامر باننا نعيش على فوهه بركان ولا مجال للمزاودات وحديث رواد المقاهي الذين لا يدفعون ثمن مواقفهم وانه لا وقت للخطاب ذات السقف العالي. ( ممكن! يستحق التفكير)
القضية في هذا السياق لا تكمن في قدره الزميلة هنيدة في ايجاد مبررات منطقيه سياسيا واخلاقيا، انما في قدره سامي ورفاقه في التجمع على ايجاد مبررات على إثر المعركة الانتخابية حاميه الوطيس والتي دارت رحاها حول موضوع تحول الى جوهر المعركة الانتخابية: في توصية ام لا. وكأن التوصية او عدمها هو مشروع سياسي بحد ذاته. ان حزبا قاد معركة انتخابية جوهرها عدم التوصية لرئاسة الحكومة (لأنه صهيوني، وليس لأنه مجرم) لا يستطيع بحركة بهلوانية واحده ان يقفز الى المشاركة في اقامه حزب مع هذه الشخوص التي كانت موضع ادانه حتى الامس والتي لا اقلل شخصيا من احترامها او مصداقية الكثيرين منهم.
سامي ومعه هنيدة قادرون ان يمدوا يدهم لسلة القوة ليغرفوا منها الادعاءات وان يخبرونا ان علاقات القوة لا تحتمل اللعب بالنار ويجب ايجاد اوسع تحالف ممكن. قد نختلف وقد نتفق. لكن من غير الممكن الخوض في هذا النقاش وكأنه لا يوجد تاريخ لهذا الحزب. هذا يعني اننا نستعمل السلة التي نريد متى نشاء (للتوضيح الكلام ليس موجها لهنيدة شخصيا والتي لا اشك في صدق نواياها مطلقا) اي انه حتى وان كان الادعاء بحد ذاته صحيحا لكن يحق للناس ان تعتقد ان توظيفه في هذه اللحظة هو توظيف قد يكون لاعتبارات حزبية فئوية وليس مبدأيه، لأول وهلة على الاقل. لو كان الاعتبار مبدأي لماذا لم يحضر هذا الاعتبار في الامس واول أمس؟ وهل فجاه اتضح اننا على فوهه بركان وفي خضم نظام فاشي يتطلب اوسع التحالفات؟ اليس الهدف من التوصية على لبيد -حسب موقف الجبهة-منع هذا البركان؟ وهل يشمل التغيير في الموقف من اليسار الاسرائيلي تغيير في الموقف من الجبهة مثلا؟ إذا اراد التجمع ان يغير من خطه فلا باس إذا كان يعتقد ان الظروف تغيرت لكن لنقدم للجمهور كشف حساب في الموضوع
ان بعض الحقيقة كما اراها يكمن في نوع من العداء المتأصل لدى اوساط في التجمع للجبهة (وليس الجميع طبعا) وشغف شديد في حشد القوة الرمزية الوطنية والمعنوية. هذا عداء طويل ليس الان الوقت لسرده وسرد تاريخه المدمر على الساحة السياسية والذي اعاق الارتقاء بمستوى العمل السياسي الى مرحله جديده أنضج واعلى. لقد كان هذا العداء الذي بدا رسميا عام ١٩٩٩ هو الشق الذي دخل منه الدكتور احمد طيبي الى عالم السياسة بعد ان تحالف مع التجمع او بعد ان تحالف معه التجمع. فاوض التجمع الجبهة وكأنه اسد ليفشل المفاوضات باعتقادي، وفاوض الطيبي من نقطه ضعف ورضخ لكل شروطه. ومنذ ذلك الحين والحكاية تكرر نفسها بأشكال مختلفة وتسمح لقوى جديده (احيانا انتهازية) للتسلل من هذا الشق (وان كنت لا أعفي الجبهة تماما وخاصه الانتخابات الأخيرة التي يبدو لي قامت بفعلتها في الذهاب الكنسيت لوحدها في لحظه غضب او انتقام لا اعرف تفاصيله). التجمع بما انه يريد التميز عن الجبهة يرفع نبرته وخطابه الى مستويات غير قادر عليها ولا يلتزم فيها اصلا لكنها ضرورية كي يحافظ على تمييزه المعنوي، لكنه كان يجد نفسه بحاجه الى حلفاء لإنقاذه فكان يجد في كل مره خشبه نجاه او لمده بأسباب القوة، وعندما يسال عن ذلك كان يبرر ذلك بعلاقات القوة والواقعية السياسية. لكن هل الواقعية السياسية تحضر وتغيب كما يشاء …؟
الحلفاء المؤقتين الضروريين لكسب القوة كانوا احيانا محليين (د. احمد طيبي، صحيفة الصنارة، التلفزيون والراديو الاسرائيلي، الحركة الإسلامية وعباس زكور وغيرهم) وأحيانا قوى اقليميه (حافظ وبشار الاسد، حزب الله، الحريري، مصر عمرو موسى). التجمع تعامل مع نفسه باعتباره استثناء يحق لنفسه ما لا يحق لغيره لان انقاذ الحركة الوطنية في اعتقاده يبرر كل شيء. لكن إذا كان التبرير صالحا للتجمع فانه سيكون صالحا لغيره ايضا. الممارسة كانت تجهض المبادئ، وما يعلق في قلب الجمهور هو الممارسة وليس الكلام السياسي. لان الممارسة السياسية ليست مجرد اداه انما هي جوهر السياسة.
الفرق بين الخطاب والممارسة كان في احيان كثيره كبيرا ولردم الفجوة كان يجري رفع الخطاب مره اخرى بنوع “داوني بالتي كانت هي الداء” او الاستعانة بصديق ليس صديقا تماما انما اشبه بعدو. من الصعب بناء حركة وطنية عريضة مع هذه الاهتزازات ومعاداه الجبهة في نفس الوقت، وإذا اراد التجمع ان يتميز-ولديه ما يميزه بدون شك-فليكن ذلك في الاداء اولا. الاداء أحسن طريقه لإيصال الخطاب!
التجمع له تراث ايجابي في الكثير من المفردات السياسية التي ادخلها ورفع منسوب الكرامة القومية في كثير من المجالات وربط فكريا نضالنا مع نضالات اقليات وشعوب اخرى، وركز على شموليه قضيه فلسطين، لكن اضافه لذلك ترك لنا تراثا سيئا من الممارسة السياسية التي لا تمتاز بالمثابرة في اية قضية مركزية هامة، ومن يرغب في التفاصيل فلدي امثله لا حصر لها لدرجه التفاصيل المملة: بدءا من الموقف من اوسلو، الى الموقف من سوريا الاسد دولة الصمود والتصدي، الى جمال عبد الناصر ، حزب الله ، الليبرالية والحريات في العالم العربي، التطبيع، السلطة الفلسطينية، والقائمة تطول.
رجل (وامرأة) السياسة لا يعمل في فراغ. هو اشبه بالقاضي منه الى الفيلسوف. عندما يسأل الفيلسوف عن رايه في مسالة أخلاقية فانه يقدم رايه كأنه يبدا من الصفر بدون ثقل التاريخ والممارسة السابقة لأنها لا تلزمه واعتباراته أخلاقية طازجة صرفه. اما القاضي لا يقضي بما يراه مناسبا اخلاقيا ومن ناحية العدل في تلك اللحظة، انما عليه ان يأخذ قراراته السابقة في عين الاعتبار، لأنه يجب ان يكون مثابرا ومنسجما مع نفسه وقراراته السابقة، لان كل قرار يعطيه هو بمثابة وعد للشعب ولجمهور المواطنين ويجب ان يكون منسجما ومتناغما مع نفسه وقراراته، ذلك يعني اولا انه يأخذ نفسه بجديه وانه ملتزم بوعوده.
الممارسة السياسية تعني اخذ المواقف السابقة بعين الاعتبار، لأنه بدون ذلك، فان اي موقف قابل للتبرير من مديح الاسد الى ذمه ومن مديح عيد الناصر الى اعتباره عميل سي اي ايه، ومن ذم البعض بداية الى مديحهم، والأمثلة تطول.
بعض الذاكرة السياسية ضروري للعمل السياسي كي نستطيع المراكمة وزرع الثقة بالسياسة باعتبارها فعل نبيل عندما تلتزم بالحد الادنى بالمثابرة وبعض التوجهات المبدئية دون الحاجة للوعظ الاخلاقي، لأني اعرف ان بعض المناورة ضروري في السياسة ولا بد منها.
للتجمع ما يقوله ولديه شبيبة وطنية شامخة وواعدة ووجوده على الساحة ضروري، وخطابه مهم، خاصه في ظل تكلس الحزب والجبهة وعدم قدرتها انتاج فكر يحلل الواقع الجديد. لكن بعض المراجعات ضرورية جدا في هذه المرحلة . . والا ستكون عوده على نفس التخبطات والقفزات الفجائية. كلي امل ان ينجح التجمع ان يجد طريقه ليكون شريكا في العمل السياسي في مرحله بالغه التعقيد والخطورة وان يعود معافى سليما!
3- رد هنيده غانم
عزيزي رائف زريق:
كيف نناور ببين العدل والقوة، بين قضية مثقلة بعدلها حتى أصبحت من شدة صدقها عصية على الحمل، وبين مشروع احلالي عنصري مع فائض قوة اوصلته لمرحلة من السكر السياسي قاربت غياب الوعي؟ هذا السؤال يشغلك ويشغلني ويشغل كثير منا، كنت اتمنى ان اتبنى موقف بسيط ان اقول سينتصر العدل حتما، وأن الظلم مهما طال لا يدوم. لكن هذا كلام يطيب الخواطر والتاريخ سلسلة طويلة من انتصارات انظمة ظالمة ومن سحق شعوب وجماعات بعضها لم تعد تذكر حتى كملاحظة هامشية في كتب التاريخ.
لكن قبل ذلك مهم أن أوضح: تناولت مسألة المشاركة لسامي ابو شحادة في الاعلان عن حزب كل مواطنيها، من حيث المبدأ. القضية العينية شكلت بالنسبة لي مجرد سبب للتحريض على التفكير من اجل وتناول مسألة تبدو لي الآن غارقة تحت طبقات من الممنوع بسب ما تستثيره من تابوهات توضع جزافا تحت بندي التعاون والتطبيع. في هذا الواقع، حقا لا يشغلني سامي الشخص، كان من الممكن أن يكون في مكانه أيمن عودة أو عايدة توما أو غيرهما… هنا وجب التوضيح ان هناك فرق /فجوة بين ما أكتب وما تكتب. أنا أناقش المبدأ في المشاركة، انت تناقش الحالة الخاصة للتجمع، في حالة التجمع، لا أظن بيننا خلاف، وجهة نظرك أن التجمع دخل الانتخابات محمل بترسانة خطاب قومي وانتقد مشاركة الجبهة بمؤتمرات اعتبرها تطبيعية كالمشاركة بمؤتمر الجي ستريت، ثم لم يجد مشكلة في مشاركة سامي بمؤتمر إعلان حزب كل مواطنيها، هذا الموقف يحتاج بالطبع توضيح؛ لأن التغاير بين الخطاب قبل الانتخابات وسقفه العالي والممارسة بعده يحتاج فعلا إلى ذلك-أو كما كتب الصديق مراد حداد، إلى اعتذار من التجمع على نقده الجبهة ثم ممارسة النهج ذاته.
بعد هذا التوضيح أنتقل إلى السؤال المهم الذي يعنيني نقل النقاش نحوه: هل علينا نحن فلسطينيي الداخل أن ننخرط في النقاشات التي يقيمها يهود حول “الصراع”؟ ما هي حدود المشاركة؟ مع من ننخرط في نقاش؟ هذه أسئلة محورية تشغلني.
لماذا؟
لأن اللحظة الحالية برأيي حاسمة، فيها مخاطر كبيرة جدا وفيها بنفس الوقت فرصة. إسرائيل حاليا تعيش حالة غير مسبوقة. أنا شخصيا أعتقد أن ما يجري هو انقلاب لا أقل، وهو ما يفسر كتابتي أننا على فوهة البركان وأن هذا البركان ممكن أن ينفجر بأية لحظة. الانقلاب المقصود داخلي مرتبط بإعادة صياغة قوانين تتيح عمليا عمل أي شيء دون رادع، البارحة تم تمرير ثلاث قوانين بقراءة اولى: قانون درعي (لا يهمني) قانون بن غفير الذي يوسع صلاحيات وزير الامن القومي بحيث يتم اخضاع قائد الشرطة لسلطته، قانون سموتريتش الذي يسمح بان يكون سموتريتش فعليا وزير الامن في الضفة والمسؤول عن الادارة المدنية، ضف الى ذلك وفي حال تم سن قانون التغلب فسيكون هذا بمثابة ضوء اخضر لان تعربد الحكومة كما تريد بدون ان تخاف من ان تقوم المحكمة العليا برفض اي قانون تسنه.
ما الذي يمكن أن يحدث؟ السيناريوهات مختلفة، لكن من يتابع خطاب وبرامج وفكر الأحزاب المشاركة بالائتلاف يمكن بسهولة أن يشم رائحة انفجار قادم. على خلاف الحكومات الإسرائيلية السابقة التي كانت تعمل على إدارة الصراع، نحن أمام جماعة تريد حسم الصراع وتطلع للمواجهة وترى بها شيء جيد وإيجابي، التأزيم من ناحيتها له دور في تقريب تحقيق رؤاها المسيانية. السيناريوهات القيامية ليست شيئا تريد الصهيونية الدينية والكهانية اجتنابه، بل جزء من الصيرورة الضرورية التي تراها تحقق التاريخ الذي ينتهي بمجيئ المسيح (سموتريتش خاصة) لذلك ستدفع هذه التيارات للمواجهة بهدف الحسم.
ماذا يعني الحسم؟ يعني سحق الفلسطينيين.
مقابل اليمين الكهاني والمسياني والشعبوي الذي يقوده نتنياهو، وبسبب الانقلاب الذي تقوده على مستوى تشريعي وقضائي وفصل سلطات…الخ، بدأت تشهد إسرائيل شقوقا وتصدعات يجد تعبيره في كتابات المثقفين من “الليبراليين” (مع التحفظ على الكلمة)، والتي ترى أن هذا التحول مرتبط بحبل السرة ببنية النظام وبسياسته تجاه الفلسطينيين، وان كل فكرة الدولة اليهودية والديموقراطية في واقع مجدول باحتلال وسلب وفوقية يهودية هي ذر للرماد في العيون، هؤلاء يرون أن الاحتلال أنتج دولة سموتريتش ودولة سموتريتش بدأت تهددهم او كما كتبت سابقا الان بات رعب الاسرائيلي العلماني-ليبرالي ان يصبح فلسطيني.
الكتابة الاسرائيلية اليوم زاخرة بكتابات أبوكاليبتية وسوداوية وسبق وأن نشرت عن ذلك في المشهد الاسرائيلي. هذه لحظة مهمة وفارقة، يمكن البناء عليها من اجل بناء سلسلة من التحالفات مع المجتمع المدني مع المثقفين مع جماعات معارضة لتشكيل “كتلة تاريخية” تعمل على انتاج هيمنة مضادة بمفهوم غرامشي. ليست تحالفات عينية على مصالح هنا وهناك بل لبناء هيمنة مضادة.
هذه الهيمنة المضادة بالضرورة تقوم على قيم عدالة ومساواة وفي محورها وقلبها قضية اللاجئين. هذا يعني أن نتحدث في كل مكان يمكن ان نخلق تقارب معه لنشر هذه الرؤية التي قد ينخرط فيها شركاء فلسطينيون في كل مكان ويهود وإسرائيليون.
هذه قضايا كبرى ربما إذا اجدنا الحوار حولها، وكم نحن بحاجة لذلك، أن يكون بداية جدية لبلورة ملامح حركة وطنية جديدة تعيد صياغة البرنامج الوطني لمناهضة الفاشية والعنصرية والاحتلال الكولونيالي في آن واحد.