جمال زقوت
تواصل حكومة الحرب بزعامة نتانياهو ارتكاب جرائم غير مسبوقة ضد الانسانية باستهداف المدنيين من أبناء شعبنا في كل بقعة من أرض القطاع، حيث بات معدل العدد اليومي للضحايا الأبرياء يتجاوز 350 -400 ضحية معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ العزل. هم ليسوا مجرد أرقام بل حكايات انسانية كانت تحلم بحياة ليس أقل من الحياة الطبيعية كباقي البشر، كما أن حكومة القتل هذه تستمر في حرب إبادة واسعة النطاق ضد البني التحتية وبما يشمل المستشفيات والمدارس ودور العبادة وشبكات المياه والكهرباء المقطوعتين من الاحتلال وكذلك الطرق، وترتكب المجازر ضد عائلات كاملة أدت حتى الآن إلى شطب ما لا يقل عن خمسمئة عائلة بالكامل من سجلات السكان.
حرب على المستشفيات ودور العبادة
وقد شهد العالم بأسره مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني التي ارتكبها سلاح جو قوات الاحتلال، وذهب ضحيتها ما يزيد عن خمسمائة من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، مزقت القنابل أمريكية الصنع أجسادهم إلى أشلاء، وما سبقها وما تلاها من جرائم حرب مكتملة الأركان، بما في ذلك مجزرة كنيسة برفيريوس للروم الأرثوذكس في مدينة غزة ثالث أقدم كنيسة في العالم، والتي كانت تأوي عشرات العائلات الذين سبق وتعرضت بيوتهم للقصف والتدمير أدت لقتل واصابة العشرات. وهي تستمر بتهديد المستشفيات بالقصف والاخلاء الذي لا يعني سواء الحكم بالإعدام على جميع الجرحى والمرضي الذين لم يعد الكثير منهم يجد الأدوية اللازمة كما يحدث مع مستشفى أمراض السرطان، كما أدت إلى خروج سبعة مستشفيات وخمسة وعشرين مركزاً صحياً من الخدمة بعد أن تعرضت للقصف في محيطها وتدمير الطرق المؤدية.
التطهير العرقي يهدف لشطب فلسطين
الجريمة الأخطر التي تنفذها قوات الاحتلال بدقة وبشكل متدرج هي تهجير أكثر من مليون وأربعمائة ألف انسان من مدينة غزة وشمالها لوسط وجنوب القطاع باتوا دون مأوى آمن أو صالح للسكن، بعد أن تعثرت حتى الآن من تهجيرهم النهائي إلى سيناء في أكبر جريمة تطهير عرقي منذ نكبة عام ١٩٤٨، والذين تعرضت قوافلهم والبيوت التي لجأوا اليها لقصف جوي على رؤوس اصحابها ورؤوس النازحين إليها مما أدى لمقتل المئات منهم، وأيضاً غالبيتهم من الأطفال والنساء. ذلك كله يؤشر إلى خطة فرض أمر واقع للتهجير الجماعي القسري بعد أن يصبح القطاع والدمار الذي يحل به غير صالح للحياة كما بات واضحاً.
لقد تحولت هذه الحرب الدموية لحالة يتم فيها احصاء المجازر. والتي تشير إلى سقوط ٤٣٦ ضحية في ٢٣ مجزرة خلال الساعات الاربعة وعشرين الماضية، ليرتفع اجمالي المجازر بحق العائلات الى ٥٩٧ مجزرة راح ضحيتها ٣٨١٨ شهيداً وضعف الأعداد تحت الأنقاض، الأمر الذي يرفع اجمالي عد الضحايا إلى ٥٠٨٧ حتى ظهر الاثنين “٢٣-أكتوبر الجاري”، من بينهم ٢٠٥٥ طفلاً و١١١٩ سيدة و٢١٧مسناً، كما بلغ عدد الجرحى ما يزيد عن ١٥٢٧٣ جريح، و١٥٠٠ بلاغ وصل وزارة الصحة عن مفقودين تحت الأنقاض منهم ٨٣٠ طفل، ولم تتمكن طواقم وفرق الدفاع المدني والاسعاف من انتشالهم لانعدام المعدات اللازمة لذلك.
غطاء بايدن يجعله شريكاً في جرائم الحرب
الغطاء الذي قدمه وما زال البيت الأبيض يقدمه لحرب الابادة العدوانية هذه على كافة الاصعدة العسكرية والسياسية والمالية ونفوذها الدولي في سياق حرب السيطرة الكونية، بما في ذلك ترويج الاكاذيب حول “ذبح أطفال واغتصاب نساء”، والتي استمر نتانياهو يروّج لها يستخدمها على طريقة جوبلز ” أي أن تكذب الكذبة وتروّج لها حتى تصدقها” رغم دحضها بالكامل ، محاولاً الصاق حماس بالنازية وداعش الجديدتين، وأن الهدف المعلن لحربه العدوانية هو لاجتثاثها ، وهو الذي كان يرعى بقاءها ويخطط لفصل غزة عن الكيانية الفلسطينية لارتكاب جريمته الأكبر بحجز حرية الشعب الفلسطيني والمس بكرامته، ومنع ممارسته لحقه الطبيعي والمشروع في تقرير مصيره بالعودة والاستقلال والسيادة، الأمر الذي يشكل جوهر أسباب انفجار السابع من أكتوبر . فالاحتلال الممتد منذ خمسة وسبعين عاماً، وما تخلل هذه السنوات من جرائم يومية ودفن جهود تحقيق السلام هي جذر الصراع، والكراهية التي تزرعها قوات الاحتلال والمستوطنين الارهابيين يومياً وعلى مدار الساعة.
التعتيم الاعلامي جزء من حرب الابادة
حرب الابادة هذه تتواصل في ظل تعتيم غير مسبوق من وسائل الاعلام الغربية، التي لا يتواجد أي من مراسليها في قطاع غزة، وهو الوجه الآخر لهذه الحرب، وهي معركة الصورة على الرواية، رغم أن حكومة الارهاب غير مكترثة بكل قواعد القانون الدولي في أبشع صوره، حيث تمارس قتل الضحية وتدعي أن هذه الضحية تقتل ذاتها، وهي تتمتع بالغطاء الأمريكي الأوروبي على جرائمها، تحت كذبة “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وكأن اسرائيل في خطر وجودي.
صحوة الشعوب في مواجهة الانحياز الغربي
ومع ذلك، وفي ظل الصحوة التي شهدها الرأي العام الدولي وانتفاضة الشعوب في مختلف عواصم ومدن العالم سيما عواصم القرار الدولي التي حظر معظمها أي تحرك والتعبير عن التعاطف مع الضحايا، إلا أن شعوب هذه البلدان تحدّت الانحياز الاجرامي لقتلة تل أبيب، وخرجت في مظاهرات عارمة تتضاعف يومياً مطالبة بوقف الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني، والتي تستهدف التطهير العرقي للفلسطينيين عن أرض وطنهم وتصفية حقوقهم وقضيتهم العادلة.
انتفاضة الرأي العام تستدعي وحدة الخطاب الفلسطيني
هل ستنجح هذه الانتفاضة الشعبية التي تكتسح عواصم القرار الدولي رغم حظرها في تغيير مواقف الدول الكبرى المنحازة لهذه الحرب العدوانية والعودة للتعامل مع جذور الصراع الفلسطيني الاسرائيلي تمهيداً لإنهاء الحرب والاحتلال؟ إن الجواب الوحيد الذي سيُمكّن من تحقيق ذلك يرتكز على مدى ادارة معركة الصورة على الرواية التي من الممكن أن تسقط الحرب والاحتلال معاً، وهذه المعركة ليس مجرد وسائل تقنية للوصول إلى كل بيت في العالم على أهمية ذلك وأهمية الاقرار بالفشل الفلسطيني والعربي الرسمي والاعلامي على هذا الصعيد حتى الآن، إلا أن جوهر هذه المعركة يتمثل أساساً بوحدة الخطاب الوطني الفلسطيني وروايته. هذا هو الشرط الاستراتيجي الرئيسي في ادارة هذه المعركة، وهو للأسف مُغيَّب وما يزال محكوماً بكارثة الانقسام ، وبأوهام اللهاث وراء الدور الأمريكي والغربي الذي ليس في جعبته سوى فتات المواقف الاستهلاكية البائسة بادعاء تمكين السلطة الفلسطينية، والحديث الأجوف عن حل الدولتين في وقت يستمر فيه بالدعم غير المسبوق لحكومة الاحتلال العنصرية، التي تواصل ضم الضفة الغربية وتهويد القدس على قدم وساق، وإطلاق يد المستوطنين وجيش الاحتلال لمزيد من القتل والتدمير في الضفة الغربية تحت ستار دخان الحرب التدميرية على القطاع.
الوحدة لنزع الغطاء الأمريكي عن الحرب
الوقت من دم! واذا لم تقدم القيادة المتنفذة، التي باتت تفقد مجرد حضورها وليس فقط دورها، بخطوات لتوحيد ذلك الخطاب واعلاء المصلحة الوطنية العليا لشعبنا في هذه اللحظة التاريخية بتوحيد كل الجهود في اطار مؤسسات الوطنية الجامعة على صعيدي المنظمة وحكومة السلطة بمشاركة الجميع و بدعم عربي جدي وتحت قبة الجامعة العربية تأكيدًا على دعم وحدة شعبنا وحقوقه الوطنية ، فإن التاريخ سيكون قد كرر نفسه ولكن هذه المرة على شكل مأساة تاريخية سندفع ثمنها جميعاً، الأمر الذي لن يسمح به أو يتسامح معه شعب الصمود الاسطوري في مواجهة حرب الابادة والتصفية .
نعم، لقد آن الأوان لنزع الغطاء عن الرواية الكاذبة بأن هذه الحرب تهدف لتصفية حماس، فهدفها الرئيسي تصفية فلسطين من الجغرافيا وتهجير شعبها مجدداً في المنافي. وليس من سبيل لهزيمة هذه الحرب سوى بوحدة الرؤية والخطاب والاستراتيجية والأدوات التي تضمن وقف الحرب وتنزع ذرائعها الكاذبة، وتنتصر لدماء الأطفال الذين تزهق أرواحهم دون رحمة وبصمت دولي غير مسبوق. هذه مصلحة وطنية عليا وهي في نفس الوقت مصلحة الفرقاء في مشهد الانقسام الذي استثمرته اسرائيل لتمرير حربها واستيطانها وتهويدها للقدس والمقدسات، والتي تستهدف الجميع دون استثناء على الاطلاق. هذه الحرب تحمل خطر التصفية، ولكن التصدي الموحد لأهدافها الاستراتيجية يحمل فرصة حقيقية لإنهاء الصراع بإنهاء الاحتلال مرة وإلى الأبد، وكي لا تضيع التضحيات هدراً. فهل تدركون ذلك ؟!