جمال زقوت
لن تجد مواطناً فلسطينياً واحداً كان يُعوِّل على لقاء “الأمناء العامين” في العلمين، فقد خبر الناس مثل هذه اللقاءات، التي لم يعد لها وظيفة سوى تذكير الناس بأن إرادتهم مصادرة من قبل ما يسمى بقيادات الفصائل التي انتهت صلاحية معظمهم، وأما سلطتا الانقسام اللتان تهيمنان على المشهد العام، فكلاهما ليس في وارده سوى الاستمرار في حكمٍ لم يعد ذا صلة بقضايا الناس اليومية، أو بالقضية الوطنية التي تنهش جسدها حكومة عصابة المستوطنين، و دون أن تحرك هاتان ” السلطتان” ساكناً، أو تقدما على ما يزعج بصورة جدية تلك الحكومة التي تواصل الضم والتهويد، دون رادع فلسطيني أو عربي أو دولي، في محاولة من هذه الحكومة لحسم الصراع بتصفية الحقوق الفلسطينية .
نعم، الشعب في واد ولقاء” الأمناء في العلمين” وقبل أن ينتهي بالفشل ” وبمجرد الاعلان عن لجنة لمتابعة الحوار المزمن بالفشل ” في وادٍ آخر. فأهل غزة الذين تحشرهم اسرائيل في سجنها برعاية رسمية من قوى الانقسام، باتوا مستعدين لأي سيناريو يخرجهم من معاناة سنوات طويلة من هذا الحصار الذي يحكم أنيابه منذ الانقسام وحتى اليوم. فإسرائيل صاحبة الولاية الحصرية على مصير هذا الحصار تواصل من خلاله محاولات اخضاع غزة نحو فصلها عن الكيانية الوطنية، بينما حماس التي لا تريد الاعتراف بفشلها في تجربة الحكم، وتذهب بهذه التجربة نحو المجهول، تنفرد في البحث عما يسمى بهدنة طويلة الأمد مقابل تسهيلات اقتصادية ليست أكثر من فتات يبقيها في هذا الحكم؛ حتى بالمقارنة مع أوسلو وبنوده المجحفة، والتي لم تكن سوى دفرسوار لتقويض ما كانت قد حققته الانتفاضة الكبرى. بينما أبناء شعبنا في الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة، يواجهون أنياب الجرافات، التي تأكل أرضهم وتدمر بيوتهم، بصدورهم العارية، ويتصدون لعصابات المستوطنين وحيدين في معركة ليس للسلطة فيها من دور سوى ادعاء احتكارها “للقوة والقانون” الذي لم يعد سوى سيفاً مسلطاً على عامة الناس والغيورين على الوطن من استشراء الفساد و قلة الحيلة، لحساب فئة مهيمنة لم يعد يهمها سوى الاثراء وانتظار لحظة تحولٍ عابرة في التاريخ تأتي بها للحكم لما يسمى بمرحلة “ما بعد الرئيس عباس “، وهي كما حركة حماس لم تعد تحسب أي حسابٍ للرأي العام طالما هم يَحكُمون دون مساءلة أو انتخابات، ويتعذرون في سبيل ذلك مرة بالقدس التي تترك اليوم وحيدة، ومرة ثانية بافتعال خلاف على ما يسمونه “شرعية المقاومة”، و “الشرعية الدولية” الغائبتين كلياً عن جدول الأعمال الوطني الموحد سواء في ميدان مقاومة الناس ودفاعهم عن حياتهم ومصيرهم الوطني خارج حسابات الصراع على “الحكم” ضد إرهاب لمستوطنين وجيشهم، أو في ميدان الدبلوماسية الدولية التي لا تعترف إلا بقوة صاحب الحق، وليس قوة الحق المجردة من أي سلاح ، فهي في تلك الحالة تتحول لمجرد استجداء وليست دبلوماسية .
حكومة عصابة المستوطنين، ورغم أزمتها الداخلية والتاريخية، وربما بفعل هذه الأزمة، تسابق الزمن لحسم الصراع بالضم وتصفية المناضلين يومياً على اتساع رقعة رفض مخططاتهم التصفوية، بينما معارضو تلك الحكومة في اسرائيل، والذين يملأون شوارع مدن الداخل دفاعاً عن “ديمقراطية اليهود”، فهم يساندون حكومة هذه العصابة في حربها ضد الوطنية الفلسطينية، وضد الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره. هذا في وقت ينشغل فيه العالم كله في الحرب على مستقبله وطبيعة نظامه الدولي، وما تُوَلّده هذه الحرب من تداعيات كونية، سيما على الشعوب التي تعيش حالة من الرمادية المخيفة، وفي مقدمتها الحالة الفلسطينية، ومستقبل صراع شعبنا من أجل انتزاع حقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير.
في هذه المناخات المحلية والاقليمية والدولية، بما في ذلك الأوضاع العربية، اختتم لقاء ” الأمناء” في العلمين بتكريس الفشل، دون أي احساس بالمسؤولية الوطنية والمخاطر الجدية التي تواجه المصير الوطني، ويأتي ذلك في ظل ادارة أمريكية لم تفعل، رغم وعودها اللفظية، أي شيء يخالف استراتيجية “ترامب -نتانياهو”، ورغم “استياء” ادارة بايدن من تمرد حكومة نتنياهو على قواعد لعبتها في المنطقة، إلا أنها لا تدخر جهداً في محاولاتها لاستكمال جر الدول العربية لقاطرة التطبيع مع هذه الحكومة العنصرية. فالحوار الذي تقوده هذه الادارة من أجل التعامل مع “الشروط السعودية” لإمكانية التطبيع مع اسرائيل، كما نشرها الصحافي الأمريكي توماس فريدمان المقرب من بايدن؛ لا يقدم لشعبنا الفلسطيني سوى فتات لن يؤدى إلا لإعطاء المزيد من الوقت لحكومات الاحتلال، وانقاذ نتنياهو من أزمته المتفاقمة، وأيضاً لمحاولة انقاذ المشروع العنصري الصهيوني من أزمته التاريخية. فكل من يراهن على استرضاء الولايات المتحدة، بينما هو غارق في وحل الانقسام وحالة الضعف المستتشرية، فهو يواصل استجداء الوهم وسراب تسوية لن تتحقق طالما أن الانقساميين يتصدرون المشهد العام.
مصر التي طالما ساندت القضية الفلسطينية، وبذلت جهوداً طويلة لرعاية مثل هذه الحوارات الفلسطينية؛ هي اليوم، وبعد هذا الفشل، أمام امتحان القدرة المفصلية ازاء أمكانية التأثير على طرفي الانقسام لإعادتهما إلى جادة الصواب لانقاذ القضية الفلسطينية، وازاحة ثقل المعاناة عن كاهل شعبنا سيما المحاصر منه في قطاع غزة، والذي يشكل خاصرة الأمن القومي المصري، وحتى لا تكون اللعبة الوحيدة في المدينة هدنة طويلة الامد في غزة، لا تهدف اسرائيل منها سوى تكريس فصلها عن الكيانية الوطنية، والاستفراد بالمصير الوطني برمته، وليس فقط ضم الضفة الغربية. فشل لقاء العلمين، كان بمثابة اعلان إفلاس أضاع الفرصة الأخيرة لحفظ ماء وجه هؤلاء “الأمناء”، وبالتأكيد ليست الفرصة الأخيرة للنضال الفلسطيني الذي بدأ قبلهم ولن ينتهي بتنحيتهم. وهذا يفرض على جميع فئات وقوى الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والتي تستشعر الخطر الداهم على المصير الوطني؛ بأن تخرج من عباءة هذا الافلاس وأن تتداعى من أجل وقف هذه الكارثة والنهوض بما تحتمه عليها اللحظة التاريخية من مهمات، وفي مقدمتها اسقاط الانقسام وتمكين الشعب من استعادة زمام المبادرة، والمضي بواجبه الوطني، الذي لم يتخلى عنه يوماً، في الدفاع عن حقوقه ومصيره الوطني. فشعب فلسطين لن ينكس رايته ولن يستكين إلا باستعادة حقوقه في الحرية والعودة والكرامة الوطني