باختصار.. بدون متابعة لن يتحقق إنجاز، وبدون إنجاز لن يكتمل البناء

TR10 يناير 2023آخر تحديث :
باختصار.. بدون متابعة لن يتحقق إنجاز، وبدون إنجاز لن يكتمل البناء

ياسر أبو بكر

ضجت وسائل الإعلام الإسرائيلية المقروءة والمسموعة والمرئية بردود فعلها الصاخب على القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية في الأمم المتحدة لصالح الموافقة على الطلب الفلسطيني للبحث في شرعية وماهية الاحتلال الواقع على الأراضي الفلسطينية وتحول ذلك لمحكمة العدل الدولية للحصول على الفتوى اللازمة.

وبالرغم من التصريحات الانفعالية للقادة الإسرائيليين والتي توَجَها التصريح الهستيري لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بقوله “هذا قرار ساخر، والشعب اليهودي لا يحتل بلاده وعاصمته الأبدية القدس”، وقد أضاف في مكان آخر ” قرار حقير وغير ملزم” كما وجاء في عناوين صحيفة معاريف “مستقبل المناطق (الضفة) لن تقرره المنظمات الدولية” و “الفتوى لا تُلزِم قانونياً إسرائيل”. بالرغم من كل ذلك فإن ذلك لم يمنعهم من الاعتراف بالإصابة بالإحباط والارتباك والاعتراف بالهزيمة أمام الفلسطينيين، فجميع الصحف الإسرائيلية اليومية أكدت على أن هذا نصرٌ للفلسطينيين وسيسبب ضرراً سياسياً واقتصادياً لإسرائيل.

فيما تناول كتّاب هذه الصحف القرار وفحصوا أبعاده وأكدوا مرغمين على النصر الفلسطيني، وحاولوا في أكثر من مقال ولأكثر من كاتب يساري ويميني توجيه قادتهم للعمل على محاولة صد هذه الجبهة الدبلوماسية والسياسية الفلسطينية الناجحة بإجراءات معاكسة، كان أهمها ما أورده الصحفي المتطرف والكاره للشعب الفلسطيني “بن درور يميني” في مقالة في صحيفة يديعوت احرونوت يوم 1 \1 \ 2023م وقد كتب: “لا سبب للاستهانة بما يحققه الفلسطينيون وبالذات في مجلس حقوق الإنسان من قرارات” وكان مما كتبه في مقاله أيضاً “إسرائيل و الفلسطينيون يديرون معركتين الأولى في (الضفة) مقابل المقاومة -الإرهاب وفن تعبيره- والتي تحقق فيها إسرائيل انتصاراً، و الثانية الصراع على الرأي العام الدولي وفيها إسرائيل تتعرض لهزيمة ساحقة أمام الفلسطينيين “.

وكان مما كتبه “بن درور” أيضاً: “إن المسألة في وجود هذه الحكومة سيسهل المهمة على محكمة العدل الدولية لأن هذه الحكومة قائمة على أساس :(أن للشعب اليهودي الحق الحصري وغير القابل للنقض على كل أرض إسرائيل) ولذلك فإنها ستسرع في بناء المستوطنات بكل أجزاء إسرائيل، في الجليل والنقب والجولان، وطبعاً وأساساً في الضفة الغربية”، ويضيف: “كما أنه ووفقاً لما سيتم أخذه من قرارات وتشريعات فإنه لن يكون لمحامي السلطة الفلسطينية أي عمل بعد الآن؟ لأن محكمة العدل العليا الإسرائيلية لن تستطيع التعامل مع أي طعن فلسطيني ضد قرارات هذه الحكومة في هذه الخصوص”.

وهكذا سيتم سلب الأرض من أصحابها دون رادع قانوني أو أخلاقي وهو ما لم يكن موجوداً أصلاً إلا على سبيل تجميل صورة إسرائيل البشعة أمام العالم، بمعني لن يتم تنفيذ المخطط الصهيوني بالسر أو بغطاء وهمي قانوني ولكن سيكون ما يميزه هذه المرة وهو الإعلان العلني وبكل وقاحة عن حقيقة الوجود الاستعماري الاحتلالي الصهيوني في فلسطين، والنية للاستمرار فيه حتى إنجاز المشروع الصهيوني.

ولنستذكر قليلاً عدداً من كلمات “ديفيد بن غوريون” أول رئيس للحكومة الإسرائيلية: “تصبح رغباتنا حقيقية فقط من خلال سيرورة متواصلة … نحن نتطلع إلى جعل أرض إسرائيل -فلسطين-أرضاً إسرائيلية … احتلال الأرض في سبيل هدف كهذا لا يأتي عن طريق السياسة أو الدبلوماسية إنما عن طريق عمل استيطاني مستمر ومتكامل في الأرض … “.

يختتم “بن درور” مقالته بالقول: ” أنه ليس مهماً ما سيحققه الفلسطينيون في الميدان الدولي، إنما المشكلة أن هذه الحكومة ستقودنا إلى خسائر مضاعفة” إذا هكذا وبكل وقاحة يعترف الإسرائيليون ودون تميز بين يمين و \يسار بإصرارهم على تجاوز الحق الفلسطيني حتى لو كان إنسانياً بحتاً للعيش بكرامة على أرضه وبإصرارهم على الاحتلال وعدم تحمل تبعاته.

وهكذا يبرز السؤال المهم: ما المتوقع؟ وماذا يجب علينا أن نعمل؟

إسرائيل لن تتوقف عند مجرد التصريحات، بل ستتجاوز ذلك وستشكل طواقمها في العالم وفي أروقة الأمم المتحدة وستعمل على تفعيل دورها الدبلوماسي ولن تعدم الوسيلة في الضغط على كل الدول ودون استثناء والتي صوتت على هذا القرار لتقوم بسحب تصويتها ليصبح بدلاً من مع إلى ممتنع في أقل تقدير.

لقد استطاع نتنياهو وفي أقل من ساعات من التواصل مع عدد من الدول وتغيير مواقف أكثر من عشرة دول لتصوت كممتنع في أقل تقدير وهو ما حصل قبل التصويت بوقت قصير.

والحكومة الإسرائيلية الجديدة أيضاُ لن تتوقف عن مجرد التهديدات بل ستتجاوز ذلك إلى إجراءات عملية وستمضي في تكثيف عدوانها على الفلسطينيين دون مواربة، وسيتم التبجح باقتحام الأقصى مراراً وتكراراً، وسيتم تصعيد بناء المستوطنات وإقامة البؤرة الاستيطانية، ولن تخرج هذه الحكومة من أجواء السباق الانتخابي -الذي انتهى فعلياً-وتسجيل النقاط قريباً وهو ما لا يبشر بخير أبداً سيدفع ثمنه الفلسطينيون والإسرائيليون وليس على حد سواء لأن الخاسر الأكبر في المعادلة هم الفلسطينيون.

في المقابل فإنه يجب على الفلسطينيين عدم الاستهانة بالمحاولات التي ستقوم بها الطواقم الإسرائيلية للضغط على دول العالم المؤيدة للحق الفلسطيني وسيكون سيف الولايات المتحدة الأمريكية مرفوعاً في وجه كل هؤلاء وبشكل رسمي وغير رسمي عبر الإعلام الأمريكي المسيطر والأقوى والداعم للصهيونية وإسرائيل وروايتهما. ولذلك فإنه على الفلسطينيين أن لا يتوقفوا عند هذا الحد، بل يجب عليهم العمل على تشكيل طواقم عمل مضادة تعمل أولاً على إعادة تقييم نتائج التصويت: فلماذا قال 26 دولة لا ولماذا امتنع 53 دولة عن التصويت لصالح الحق الفلسطيني. كما وعلى هذه الطواقم أن تبذل جهداً مضاعفاً من أجل العمل للتأثير على هذه الدول وبما فيها الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي التي اعتادت التصويت ضدنا ولصالح إسرائيل وهي أكثر الدول في العالم التي تتدعي الديمقراطية وترفع راية الحرية للشعوب -مع شديد الأسف-وعندما يصل الأمر عند الفلسطينيين فإنها تقف عاجزة عن نصرة الحق المبين. وأنه ليس من المستحيل إقناع هذه الدول لتغير مواقفها وتصويتها كما فعل بعضها في مجلس حقوق الإنسان عندما صوتّ لصالح الحق الفلسطيني.

أما في المقابل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تظهر الحاجة الماسة أيضاً لتشكيل طواقم عمل فلسطينية داخلية تبدأ بدراسة علمية عميقة ووافية لكشف مكان الخلل في عدم نجاح الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وصد عدوانه وإجراءاته القمعية المتصاعدة وعدم القدرة على ردع تصاعد الاستيطان، وأهمية إبداع أدوات جديدة للنضال ووسائل أكثر فعالية قادرة على تحقيق الإنجازات بأقل كلفة وخسائر في الأرواح مقابل كلفة أكبر وخسائر أكثر في صفوف الاحتلال، وليصبح الاحتلال عبئاً على القائمين عليه وانتهاؤه هدفاً لهم.

إن مهمتنا أسهل بكثير من مهمة الاحتلال فالحق بأيدينا، ولكنها بنفس الوقت تحتاج الى جهد وسيرورة ومتابعة، وبدون متابعة لن يتحقق إنجاز، وبدون البناء على الإنجازات بإنجاز أكبر لن يكتمل البناء.

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق