غسان زقطان
يبدو الحديث عن “صعود الفاشية” في إسرائيل قديما ومتداولا بإفراط، ولكنه في الوقت نفسه يفتقر بشدة إلى الدقة، إذ يشي في منطقة من المصطلح أن الفاشية أمر خارج الخلية الأصلية التي أسست دولة الاحتلال، وأن ثمة تحولا في المشهد الإسرائيلي يتمثل بظهور قوي للفاشية. هذا تحسين، غير مقصود في الغالب، لصورة الدولة التي تأسست على حقل واسع من المجازر والقرى المدمرة والمدن المفرغة من أصحابها، خلال تسعة أشهر 1947/1948 دمرت خطة “داليت” أكثر من 500 قرية فلسطينية وفرغت 11 مدينة من سكانها، الخطة التي شاركت فيها كل العصابات الصهيونية المسلحة بلا استثناء، دولة تأسست على هذا الحقل المترامي من القتل والمقابر الجماعية، والتدمير والإقصاء والنفي، وسرقة الأرض ومقتنيات الناس، والاستيلاء على منجز قرون من البناء والحضارة والاقتصاد والثقافة، لأصحاب الأرض وتسويقه كمعجزة يهودية.
“دولة” قادرة على الصعود فوق كل هذه المقابر الجماعية لضحاياها وتحويلها إلى صيغة “ديمقراطية”، والقتلة إلى سياسيين موزعين بين اليسار واليمين، والجريمة إلى برنامج ليبرالي، وضحاياها إلى إرهابيين معادين للمدنية، ليست بحاجة إلى أشخاص مثل “إيتمار بن غفير” ليؤكدوا فاشيتها.
السؤال ليس هناك في تحليل الظاهرة وإعادة اكتشافها بقدر ما هو هنا، في غياب البرنامج الحقيقي لمواجهة تسونامي الفاشية والاكتفاء بوصفه وإعادة وصفه.
الخلط البلاغي بين الهدف والوسائل وإحلال الأهداف في موقع الوسائل، والغاية في موقع البرنامج.
المشهد الفلسطيني يبدو أكثر بؤسا من أي وقت مضى، التمسك بالانقسام والرايات الفصائلية والمصالح الصغيرة وتآكل الديمقراطية ومصادرة حقوق التعبير.
يمكن الاحتفاء بشجاعة المقاومين، ولكن غياب البرنامج الوحدوي المتكامل للمقاومة سيجعل من هذه البسالة المدهشة مجرد حوادث بطولة، التضحية ليست برنامجا ولا الشجاعة أيضا، البرنامج هو استثمار هذه التضحيات من جهة، والحرص على أصحابها وحمايتهم عبر تحويلها إلى تيار جماهيري من جهة ثانية، تيار يشكل جبهة مقاومة وطنية عريضة وحاضنة في الوقت نفسه.
الاستكانة الغريبة للتحولات الجارية في الإقليم والعالم ليست برنامجا أيضا، التمسك بالسلطة الصغيرة والسباحة في مواجهة غضب الشارع الذي يتجمع ويتراكم هو نوع من الانتحار لا أقل ولا أكثر.
الكارثة ليست في فاشية الاحتلال، أي احتلال هو فاشي، ولكن في غياب البرنامج الذي يواجه هذا الاحتلال.