جميل هلال
“قل للذي أحصى السنين مفاخراً
يا صاح ليس السرّ بالسنواتِ
لكنه في المرءِ كيف يعيشها
في يقظةٍ أم في عميقِ سبات”
(إيليا أبو ماضي)
لا يسعى هذا المقال لوعظ الشباب او إملاء ما عليهم عمله ولا كيف عليهم أن يفكروا أو يخططوا، بل مهمته إيضاح أبرز مكونات الشرط الذي يقيم فيه غالبيتهم العظمى وغالبية الشعب الفلسطيني، في فلسطين التاريخية (من النهر إلى البحر) وخارجها، والتفكير بوصف عال وفق ذلك بما يمكن أن يساهم في تمكين الشباب وتمكين فئات أوسع من المجتمع.
لن أتطرق هنا لمفهوم الشباب، فالكل يدرك أن المقصود فئة عمرية بعينها يكون فيها قد اكتمل النمو الجسمي والعقلي (أي مرحلة ما بعد مرحلة الطفولة وتمتد حتى التاسعة والعشرين وأحيانا تمدد إلى سن الخامسة والثلاثين). وهي فئة على استعداد متقدم لتنمية المعارف والمواهب والقدرات الجسدية والعقلية وممارسة أشكال مختلفة من الرياضة والمهن وتنمية مواهب عند الحاجة والضرورة. والكل يدرك أن الفرص أمام الشباب (كما حال الفئات الأخرى من المجتمع أو المجتمعات الفلسطينية) ليست متساوية فهذه تخضع لعوامل واعتبارات موضوعية (وهي الأهم، مثل الطبقة والنوع الاجتماعي ومكان السكن وبلد الإقامة والأثنية والدين والطائفة والقومية)، وذاتية وتمس فئات وشرائح مختلفة من الشباب وغير الشباب. جزء مهم من التباين بين الفئات العمرية في المجتمع الواحد ناتجة عن التباين أيضا وفق في التجارب الحياتية والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية التي تتفاوت من جيل لآخر.
لماذا الاهتمام بالشباب
يعود الاهتمام بالشباب في العقدين الأخيرين، والذي برز عبر المقالات واستطلاعات الرأي والأبحاث والتصريحات والفتاوي)، وبرز في الحالة الفلسطينية مؤخراً، في قوائم الانتخابات التي ترشحت لانتخابات المجلس التشريعي (قبيل تأجيله) والتي أكد معظمها على أهمية دور الشباب وعلى تنسيب أعداد وازنة منهم في معظم هذه القوائم. كما برز دور الشباب في الهبة الشعبية التي شهدتها فلسطين التاريخية وفي الشتات الفلسطيني خلال أيار 2021، وبعيد اغتيال الناشط نزار بنات.
لكن هناك اعتبارات مختلفة وراء الاهتمام بالشباب ففلسطينيا. فهو يعاد التأكيد عليه بعد وصول ما يعرف بحل الدولتين (أو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967) إلى طريق مسدود بالترافق مع تسارع وتيرة الاستيطان الاستعماري ومصادرة الأراضي وترّسخ نظام التمييز العنصري في كل الأراضي الفلسطينية، وتعمق الانقسام بين حركتي فتح وحماس والانفصال الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، واستمرار تهويد القدس وإجراءات التطهير العرقي.
كما جاء قرار تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي عُوّل عليها كمحرك لدمقرطة المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك مؤسسات منظمة التحرير المهمشة منذ العام اتفاق أوسلو عام 1993، لتزيد من حالة الإحباط العام، وتحديدا بين الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 الذي يعاني من معدلات بطالة واسعة وأفق مسدود سياسياً وحياتياً. كما أنهم الأكثر عرضة للاعتقال والموت والإعاقة من الشرائح الأخرى. صحيح أن مقاومة الترسانة العسكرية الإسرائيلية الضخمة ترك آثار معنوية إيجابية مباشرة عند الجمهور الفلسطيني (بما فيهم الشباب)، لكنها لم تحل مشكلاتهم الحياتية (كنسب البطالة والفقر العالية جداً)، ولا عالجت مشكلات غالبية من السكان. كما أن التدمير الإسرائيلي الواسع للبنية التحتية فاقم من مشكلات الناس وبخاصة أن السلطات المتنفذة في غزة أغفلت حاجة الناس لتدابير حماية (كالملاجئ) وللتنظيم المحلي (لجان أحياء مثلا) وضرورات رعاية حاجات الناس اليومية في حالات الطوارئ.
ما سبق زاد من عدم الثقة بالقيادة والنخب السياسية وبخاصة أمام سيادة رأي عام يعتقد باستفحال ظاهرة الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ولحد ملموس في مؤسسات سلطة حماس في قطاع غزة، وفاقم من هذه الحالة استخدام السلطة في رام الله لأجهزة الأمن لقمع المتظاهرين السلميين ضد مقتل الناشط السياسي نزار بنات ومن أجل محاسبة المسؤولين عن مقتله.
ومع فقدان الشرعية الديمقراطية أمام تغييب الانتخابات الديمقراطية لفترة طويلة وفقدان الشرعية الثورية في ظل استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل واستمرار الاستيطان والحصار والاعتقالات وتدمير البيوت، وفي ظل ضعف المعارضة سواء من فصائل منظمة التحرير أو ومحدودية تأثير قوى الإسلام السياسي، برزت الحاجة لرؤية قوى جديدة تتولى تجديد مؤسسات الحركة الوطنية الفلسطينية، والرهان في هذا على دور خاص لجيل الشباب.
هذا الرهان له ما يبرره، لكن ينبغي وعي المعيقات والصعوبات التي تواجه إشراك الشباب في تقرير مصير الشعب الفلسطيني وما يواجه من مشاكل وتحديات:
- أول هذه المحاذير تخص مفهوم الشباب، فليس هناك تعريف متفق عليه لمفهوم الشباب. والمهم هنا إدراك أن مفهوم الشباب مفهوم مشيّد اجتماعيا يشير لمرحلة تبدأ بالتحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد دون تحديد متفق عليه لنهاية مرحلة الشباب. فهذه تبدأ وتنتهي حسب اعتبارات ومصالح الجهة المحددة والتي قد تكون أحزاباً أو حركات سياسية، أو مؤسسات تجارية (الملابس والالكترونيات والأغاني وصناعات التجميل وغيرها)، أو مؤسسات دولة (تبلور سياسات تخص الشباب وفق اعتبارات تكوين المؤسسات العسكرية والأمنية والقانونية) أو مراكز الإحصاء والأبحاث، لأغراض الاستطلاع والمسح والتوثيق) أو مؤسسات رياضية (لأغراض التدريب والتنظيم المباريات)، أو مؤسسات دولية، وغيرها. ولأن الشباب مرحلة انتقالية فجمهورها ليس جمهورا ثابتا فهو متجدد دائما. لذا ينبغي الحذر من منح الشباب هوية ثابتة ومتجانسة تحجب رؤية التباين السياسي والأيديولوجي والاجتماعي والمهني والثقافي بينهم، وهو تباين يعكس تركيبة مجتمعاتهم، وفي الحالة الفلسطينية يعكس الواقع الذي تعيشه التجمعات (أو المجتمعات) الفلسطينية المختلفة.
- ثاني هذه المحاذير يخص ما يجري في العادة من عمليات تنافس على استقطاب الشباب سواء من التنظيمات السياسية بما في ذلك من الحركات السلفية والتكفيرية التي تنتهز معدلات البطالة العالية بين الشباب وما يتعرضون له تهميش، ومن التنظيمات اليمينية الشعبوبة التي تستفيد من خواء الأيدولوجيات السائدة التي تمجد الفردانية والنهم الاستهلاكي الذي يشيعه النظام الرأسمالي المتوحش ومن سطحية الممارسة “الديمقراطية” المختزل بالانتخابات الدورية المعزولة عن المحاسبة والشفافية، والمفرغة من القيم الفعلية الإيجابية. ولا بد من إدراك وقع ظاهرة الفساد والمحسوبية، وأشكال من “الأسرلة” لدى فئات من المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، وبعض أشكال من الثقافة الأمريكية-الأوروبية لدى فئات من عدد من التجمعات الفلسطينية بفعل تأثيرات العولمة على المجتمع الفلسطيني وعلى فئاته الشابة. في الواقع لدينا ندرة في الأبحاث الدراسات التي تناولت الثقافة السائدة بين فئات الجيل الشاب في التجمعات الفلسطينية الرئيسة. وهي “ثقافة” تتميّز بتنوع متأثر بالانتماءات الأسريّة والطبقية والمستوى التعليمي ومكان ومجتمع الإقامة والنوع الاجتماعي والفة العمرية. ويبرز هذا جليا في الموقف من حقوق المرأة ومن المساواة في المجتمع وفي النظرة لدور الدين في الحياة الاجتماعية والعامة.
- ثالث هذه المحاذير يرتبط بمحفزات الاهتمام بالشباب الفلسطيني، وهنا يبرز اعتباران متعارضان: الأول، يتأتى من ارتباط الانتفاضات العربية (أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي)، وقبل ذلك بالانتفاضات الفلسطينية، بدور متميز للشباب حيث ظهروا كثوار لإسقاط أنظمة مستبدة وفاسدة ورافعين لشعارات تطالب بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية. فيما يتمثل الاعتبار الثاني في حقيقة أن الجيل الشاب هو القاعدة الأوسع للتنظيمات الأصولية والسلفية التكفيرية وللحركات اليمنية المتزمتة، كما للتنظيمات والحركات اليسارية والتقدمية.
احتل الشباب في التجربة الفلسطينية مكانة مرموقة في تنظيمات المقاومة الفلسطينية والاتحادات الشعبية والنقابات المهنية الفلسطينية، تحديدا في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وبقي الشباب الفلسطيني حاضراً بقوة في مجرى النضال الوطني الفلسطيني منذ ظهور المقاومة الفلسطينية وهيمنتها على منظمة التحرير وحتى الهبة الشعبية التي شهدتها فلسطين في أيار 2021. ولم يفقد الشباب هذه المكانة المتميزة إلا بعد أن فقدت الحركة السياسية الفلسطينية سمتها كحركة تحرر لتتحول إلى مؤسسات بناء سلطة حكم ذاتي في الضفة والقطاع. رغم هذا وكما رأينا في الانتفاضة الأولى والثانية وفي الهبات العديدة التي تلت ذلك بما في ذلك الهبة الشبابية الأخيرة في الضفة الغربية ومناطق 48 وفي قطاع غزة وفي مناطق اللجوء والشتات لم يفقد الشباب، بأغلبيتهم، استعدادهم النضالي العالي ولا روح المبادرة وإن بقيت هذه تخبو وتصعد وفق الأحداث دون اكتساب سمة الديمومة المستقرة. وهذا أمر هام لكل من يهمه تعزيز دور الشباب في الحياة السياسية والمدنية والثقافية الفلسطينية ودمقرطة مؤسساتها وتوجهاتها الديمقراطية والتحررية.
- رابع المحاذير يرتبط بالنظرة للشباب ككتلة متجانسة في المصالح والاهتمامات والرؤى والأصول الاجتماعية، وتجاهل تنوع انتماءات الشباب وتوزعهم على فئات تتباين في مواقعها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والجندرية (النوع اجتماعية) وارتباطاتها الدينية والطائفية: فهناك الطلاب (وهم فئة واسعة بين الشباب وذات تأثير كبير وتحديدا طلبة الكليات والجامعات)، ومنهم العمال والموظفين (في القطاع العام أو الخاص أو المنظمات الأهلية أو الدولية)، ومنهم العاطلون عن العمل، وكثيرون يبحثون عن فرصة عمل أو هجرة، ومنهم الذكور والإناث، والمتزوج/ة والأعزب/ العزباء، ومنهم من يسكن في قرى، وآخرون يسكنون مدن أو مخيمات. كما ينتمي الشباب لتجمعات (مجتمعات) متباينة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والقانونية (ضفة، غزة، قدس، 48، أردن، شتات ولجوء). ومنهم أعضاء في تنظيمات سياسية متباينة الرؤى والبرامج، ونسبة وازنة لا تنتمي لأي من الأحزاب أو التنظيمات السياسية الفلسطينية راهنا.
ما سبق لا يعني أن شرائح واسعة من الشباب لا هموما ولا مشكلات اجتماعية مشتركة تجمعها، وإن تباينت الفرص المتاحة لهذه الشرائح والفئات وفق ما ورد أعلاه. ففرص الحياة (التعليمية والوظيفية والصحية والسكنية والثقافية) أمام الشباب (وكما لغيرهم من المجتمع) ليست متساوية، ولم تكن متساوية ومن غير المتوقع أن تتساوى في المدى المنظور ما دامت مجتمعاتنا تتشكل على أسس من عدم المساواة في الثروة والسلطة والمعرفة.
- خامس هذه المحاذير يخص الميل للتعامل مع الشباب كجسم ناقص العضوية، وبالتالي لا يحظى بكامل الحقوق والواجبات. أو التعامل مع الشباب كفئة خارجة عن المجتمع، وبالتالي ليست جزءا عضويا فيه ومنه. هذا رغم كونهم جزء وازن فيه إذ إ يشكل الشباب في الضفة والقطاع نحو ثلث السكان. وينجم عن النظرة للشباب ميل لمنحهم قدرات استثنائية تهيئهم لمهام إنقاذ بما فيها قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية من مأزقها المركب. في مواجهة هذا الرؤية نلمس نظرة للشباب كفئة تحتاج إلى رعاية واهتمام وتنشئة. الصحيح لا هذا ولا ذلك فالشباب لا يملكون عصا سحرية قادرة على تغيير عالمهم بلمحة بصر، ولا هم قاصرون بحاجة إلى من يأخذ بيدهم ويرعاهم.
ما هم بحاجة له، والمجتمع بكل فئاته، هو ممارسة دورهم كاملا بما هو حق وواجب، ووسيلتا التمكين الأساسيتين هما الوعي والتنظيم. ولذا فإن أولى المهام التي ينبغي التقرير بشأنها على الصعيد السياسي من قبل الشباب، ربما قبل غيرهم، هي إدراك سمات الواقع السياسي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
وعي الشرط الفلسطيني: من أبرز ما هو ضروري وعي ما يلي
أولا، سيادة إطار مفاهيمي قاصر ومضلل في ظل غياب الديمقراطية واحترام حقوق المواطنين
توصف علاقة إسرائيل بأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بالاحتلال، تعبير ينسجم مع تحديد المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة على هذه الأراضي والتي بات تعرف بالأراضي الفلسطينية المحتلة دون تحديدها بالعام 1967. مما يعني أن لا أراضٍ فلسطينية محتلة منذ العام 1948. مشكلة هذا التوصيف أنه يتجاهل حقيقة كون إسرائيل نظام استعماري استيطاني يفرض نظام تمييز عنصري (أبارتهايد) على الشعب الفلسطيني، وبالتالي يتبنى الرواية الصهيونية التي هي رواية لحركة استعمارية استيطانية ذات منشأ وتكوين أوروبي استعماري عنصري. كما أنه يتجاهل حقيقة أن إسرائيل مارست وتمارس التطهير العرقي تجاه سكان فلسطين الأصليين، وقامت وتقوم بتشويه فلسطين كجغرافيا وسكان وتاريخ وحضارة ومعالم معمارية وأثرية وتهجينها بمهاجريين يهود (من أوروبا بالأساس) بناء على رواية لا تاريخية وخرافية. الحركة الصهيونية، وإسرائيل، استهدفت السكان الفلسطينيين ومجتمعهم. واستهدفتا تدمير البنية الاجتماعية التحتية والتي نما على أساسها التعايش والتعاون التعددي بين الأديان بما فيها اليهودية، التي شهدتها الحقبة العثمانية (أي ما قبل بدء الاستيطان الاستعماري الصهيوني). ولا بد من التذكير بأن إسرائيل تولًت تشييد المعازل للفلسطينيين الذين بقوا على أرض وطنهم أي أنها شيدّت نظاما للتمييز العنصري (الابرتهايد) في فلسطين التاريخية. وشرّعت في العام 2018 نظام التمييز العنصري عبر قانون القومية الإسرائيلي. ويصف هذا القانون “أرض إسرائيل” (أي فلسطين) بأنها “الوطن التاريخي للشعب اليهودي” وأن للشعب اليهودي لوحده حق تقرير المصير عليها.
ما يجرى على الأرض هو مواصلة إسرائيل لسياستها في التوسع الاستعماري الاستيطاني وهندسة بناء معازل (“بانتوستانات”) للفلسطينيين مستفيدة من دعم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية (وعربية مطبعة) تدعم إسرائيل لاعتباراتها الخاصة. لذا ليس مفاجئا أن غالبية عظمى من الفلسطينيين، حسب استطلاعات الرأي، في الضفة وقطاع غزة لم تعد ترى فرصاً لقيام دولة فلسطينية على الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية في المستقبل المنظور، وأن غالبية منهم تعتبر، وفق استطلاعات الرأي ذاتها، أن السلطة الفلسطينية باتت عبئا على الشعب الفلسطيني.
اتفاق أوسلو وافق على حشر فلسطين كلها بحدود الضفة الغربية وقطاع غزة (أي 22% من حجمها الطبيعي)، وفي تهميش دور ومكانة الشتات واللجوء الفلسطيني ودور ومكانة فلسطيني 48، واختزال منظمة التحرير إلى لجنة تنفيذية ومجلس مركزي بصلاحيات شكلية جدا وبدون أطر شعبية أو مهنية ولا ثقافية، وفي تجريد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي من حقيقته ليصبح مجرد احتلال عابر. وكل هذا يشكل، موضوعيا، تواطئا، بالعمق، مع الرواية الصهيونية التي وفرت وتوفر الغطاء الأيديولوجي والسياسي لاستعمار فلسطين وتشتيت والتنكيل بأهلها والتمييز ضدهم.
ثانيا، وضع حقوق الشعب الفلسطيني في “حالة استثناء” دائمة
مصطلح “حالة استثناء” يصف تماما كيف يتم التعاطي مع الحقوق التاريخية والوطنية لفلسطينية، وبما فيها حقه في تقرير المصير إذ يتم، في الممارسة الفعلية من قبل المؤسسات الإقليمية والدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، وضعها خارج أنظمة وأعراف القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. والمؤشر الساطع على هذا نجده في الاحجام، حتى اللحظة، عن تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة (ومعظمها تمت بموافقة دول استعمارية) بما يخص المسألة الفلسطينية منذ صدورها وحتى اللحظة، ونجده في الاحجام عن فرض عقوبات على جرائم ارتكبت وترتكب ضد الشعب الفلسطيني (ككل وكتجمعات وأسر وأفراد) منذ بدء الاستيطان الصهيوني لفلسطين وحتى اليوم. لقد وضع الشعب الفلسطيني بكل مكوناته في حالة طوارئ دائمة في وقت مورس ويمارس ضده أشكال متنوعة من القمع والحرمان والتمييز. لقد صدرت مئات القرارات الدولية عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وعن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأبقي جميعها حتى اللحظة في حالة استثناء (مجمدا لأمد غير مسمى).
لقد باتت حالة الاستثناء أو “طوارئ” حالة دائمة بما يخص القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وبات الاستثناء هو السلوك المعتمد، مما حوّل النظام الاستيطاني الاستعماري إلى شبكة قمع وسيطرة مطلقين، تستسهل التطهير العرقي كما يجري في مدينتي القدس والخليل وتستسيغ الاعتقال التعسفي دون محاكمة ولفترة غير محددة من الزمن، كما تتيح القتل للمقاومين من أجل الحرية وتدمير منازل عائلاتهم. بالإضافة لسلب الأراضي الفلسطينية وبناء المستعمرات الخاصة باليهود الإسرائيليين عليها. وفي قطاع غزة الذي تعرض سكانه خلال العقدين الأخيرين لأربعة حروب تدميرية وأخضعوا لحصار تجويعي، مما حوّل القطاع لسجن كبير وحرم سكانه من السفر، بما في ذلك للعلاج. في الوقت الذي تولت فيه المحاكم الإسرائيلية منح الحصانة للجيش الإسرائيلي من المساءلة لجرائم قتل مدنيين فلسطينيين.
ليس صحيحا أن الشعب الفلسطيني يلوذ بالصمت أمام ما تعرّض ويتعرّض له، بل اعتمد أشكالا متنوعة وصاخبة أحيانا لإسماع صوته ودفاعا عن حقوقه من خلال: تنظيم الإضرابات، وتقديم العرائض، والمقاومة المسلحة والانتفاضات، وعمليات الاستشهاد وخطف الطائرات وتسيير الطائرات الورقية، ومخاطبة العالم دون كلل، عبر منابر الأمم المتحدة وعبر منابر مئات (وربما آلاف) المؤتمرات الدولية والإقليمية وعبر انتاج الأفلام ونشر المقالات والصور الفونوغرافية والملصقات وتسجيل والأغاني والأناشيد وتسجيل الشهادات، وعبر الشعر والرسم ، ونشر القصص القصيرة والروايات الطويلة وتنظيم المعارض التراثية والعروض المسرحية. هذا بالإضافة إلى الاستخدام الواسع لوسائل الاتصال الاجتماعي لكشف وتوثيق التشويه المنهجي لجغرافيا ومعالم فلسطين التاريخية والتراثية. لكن السمة الطاغية حتى اللحظة تميزت بتجاهل حقوق الفلسطينيين، والصمت عما يتعرضون له من جرائم.
وفي السياق ذاته يتم وصم انتقاد السياسة الإسرائيلية بالعداء للسامية، لإرهاب انتقاد ممارساتها الاجرامية والعنصرية. هذا في الوقت الذي يتسارع فيه تحول إسرائيل لنظام فاشي مقوض لأسس الديمقراطية وحجب السمة الإنسانية عن الفلسطينيين وتحويلهم لمجموعة أثنية-دينية يبرر استخدام التطهير العرقي ضدهم.
ثالثا، تحولات في بنية المجتمع في الضفة والقطاع وفي تعطيل الحياة الديمقراطية وتهميش حقوق المواطنة
أحدث الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسساتي في الأراضي التي احتلت عام 1967، وتحديداً بعد سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة وهيمنة حركة “فتح” على السلطة في الضفة الغربية (وفي كلتا الحالتين هي سلطة حكم ذاتي مقيد) تحولاً عمق من اغتراب الناس عن قياداتهم السياسية. فقد دخل تغيير مهم في البنية الطبقية-الاجتماعية في كلا التجمعيّن. كما ساهم تفكك الحقل السياسي الفلسطيني إلى حقول محلية تديرها مؤسسات محلية، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة في توليد تغييرات بنيوية كمحصلة قيام مؤسسات محلية (أمنية وبيروقراطية واقتصادية واجتماعيةْ) في التجمعين، أنتجت شرائح اجتماعية جديدة ترى لنفسها مصلحة في التعايش مع ما هو قائم وتخشى على نفسها مما هو قادم. ولم تعد التنظيمات السياسية الفلسطينية خارج التنظيمين الكبيرين قادرة على أو ترغب في توليد قطب ثالث قادر على تحدي التنظيمين وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس جامعة تمثيلية وديمقراطية.
انتجت مؤسسات السلطة الفلسطينية طبقة وسطى متسعة، وساهم في هذا الاتساع تزايد عدد المنظمات غير الحكومية، وولادة قطاع خاص يدره رجال الأعمال لم يكن موجوداً قبل اتفاق أوسلو، شمل بنوك وشركات تأمين وشركات اتصال وانترنت وجامعات وكليات خاصة ومستشفيات ومختبرات وتزايد عدد المهنيين متنوعي الاختصاصات المطلوبة لسد احتياجات السلطة الفلسطينية واحتياجات قطاع خاص ومجتمع مدني نشط لحد ما. لقد تضاعف حجم الطبقة الوسطى في الضفة والقطاع ثلاث مرات عما كان عليه قبل قيام السلطة في العام 1994. ولم يتقلص حجم الطبقة العاملة كثيرا لكنها باتت أضعف من حيث شروط وظروف عملها. فقد تراجعت نسبة العاملين في إسرائيل ومستعمراتها من مجموع القوى العاملة الفلسطينية، وتقلص حجمها المنظم بسبب تراجع دور ونفوذ التنظيمات السياسية الفلسطينية (وبخاصة اليسارية)، ولم يشهد تكوين الطبقة العمالية تحولا يغيّر من توزع العمال على عشرات الآلاف من المنشآت الصغيرة. فقد سجل أقل من ربع القوى العاملة الانتساب لنقابة عمالية أو مهنية، وبقي نحو 17% من القوى العاملة في الضفة الغربية يعمل في مشاريع إسرائيلية. كما تراجع حجم ودور “البرجوازية الصغيرة” (من أصحاب المشاريع الصغيرة) مع تراجع الزراعة الصغيرة والحرف وضعف نمو الصناعة والزراعة الحديثين. أما الرأسمال الوافد والمحلي فبقيا أسيرين لقيود اتفاقية باريس وعلاقات تنسيق وتعايش مع كل من سلطة الاحتلال الإسرائيلي والشريحة العليا من بيروقراطية السلطة الفلسطينية.
وعلينا أن نلاحظ أن اعتماد جزء وازن من الطبقة الوسطى في الضفة والقطاع على مؤسسات وأجهزة السلطة أبقاها حذرة من تبني مواقف وفعاليات قد تعرض بنيان السلطة للتداعي والانهيار، وبالتالي فقدان مصدر رزقها (الراتب الشهري) وإمكانية تسديد قروضها من البنوك.
ساهمت التحولات السابقة في “تضرّر” المجتمع مما ترك أثره على أشكال مقاومة الاحتلال التي سادت بعد الانتفاضة الثانية والتي تميزّت بطابعها الفردي (أفراد من الشباب يقومون بمواجهة جنود الاحتلال) أو نضالات موقعية ذي مهمة واحدة (ضد الجدار أو الاستيطان أو مصادرة الأرض). وساهم في تنامي الفردانية البناء الهرمي أو التراتبي لمؤسسات السلطة ولأجهزة أمنية يحكمها رتب عسكرية تراتبية، ولمؤسسات قطاع خاص يحكمها، كما يحكم مؤسسات القطاع العام والعديد من منظمات المجتمع المدني، محرك مهني تراتبي، يتجسد في مؤسسة الراتب والحرص على استدامته.
لقد انخراط الآلاف من كوادر وعناصر التنظيمات السياسية (ومن التنظيمين الرئيسيين بالأساس) في مؤسسات وأجهزة سلطتي الضفة وغزة التي أقيمت على أساس وظيفي تراتبي. هذه البيئة غذّت ذهنية “الموظف” وتولت عملية تذويب ذهنية المناضل التي سادت في عقود مضت. كما غيرّت من الذهنية الرفاقية والأخوية التي سادت بين أعضاء التنظيم الواحد وفي مؤسسات منظمة التحرير بشكل عام. هذا خلافا للعلاقة السائدة في مؤسسات السلطة والقطاع الخاص كعلاقة بين رئيس ومرؤوس، وعقود عمل ودوام، الخ. وساهم في هذا تحول التنظيمين الأكبر (فتح وحماس) إلى أحزاب “حاكمة” (مع استمرار الاحتلال والاستيطان والتمييز والقيود واستباحة الحريات) تعتمد إلى حد كبير على التحويلات المالية الخارجية، وهو أمر قلص من مصداقيتها وقدراتها التعبوية.
ما سبق لا يعني تداعي الوطنية الفلسطينية التي يغديها، بشكل دائم، النكبة المتجددة والمستمرة وتغوّل الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري ويغديها أيضا وهن السلطة وفشل مشروعها الوطني واتضاح حدود المقاومة المسلحة في تحقيق إنجازات وطنية ملموسة (وإن نجحت، كما أثبت مواجهة “سيف القدس” في توليد درجة من توازن الرعب، وفرض أشكال من التفاهم الأمني الضمني). حيوية الوطنية الفلسطينية أعلنت عن نفسها في هبة أيار 2021، وفي الحراكات التي تلت تأجيل الانتخابات التشريعية وموجة قمع نشطاء المعارضة من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية.
شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجمعات أخرى، نموا ملحوظا لتنظيمات الإسلام السياسي ممثلا بحركة المقاومة (حماس) خلال الانتفاضة الأولى وبعدها، وتراجع دور وحضور اليسار الفلسطيني وتأثيره بما في ذلك على حركة فتح التي باتت تتأثر بشكل ملموس بالإسلام السياسي كونه الأكثر حضوراً وشعبية (كما بان من الإضافات التي اضيفت على راية فتح مؤخرا). واجتاح الإسلام السلفي التكفيري دولاً عدة في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، وتعزز حضور اليمين القومي والاتجاه المحافظ والمتزلف للشعب في بلدان عدة في العالم في العقدين الأخيرين من هذا القرن، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وأمريكا الجنوبية وأوروبا الغربية والشرقية. وتنامى اليمين الإسرائيلي الديني والقومي مدعما مشروعه الاستيطاني التوسعي والقومي العنصري، ورفع من منسوب استخدام القوة والقيود ضد التطلعات التحررية الفلسطينية.
لعل الظاهرة الأبرز تتمثل في تفكك الحركة السياسية الفلسطينية إلى مكونات محلية (حسب التجمع السكاني الفلسطيني) وفي هيمنة نخب سياسية محلية الأفق والمرجعية غاب عنها الشرعية الديمقراطية والثورية معا، وانكفأ عنها تقاليد العمل التكافلي والتطوعي والتعاوني الجماعي، وتفشى الروح الفردانية والمحسوبية وذهنية “الموظف”. وبرزت هذه السمة في المبالغة الشديدة في توظيف اللغة للتعتيم على الواقع، لغة المناصب والدوائر الحكومية التي تحمل سمات دولة ذات السيادة رغم معاكسة الواقع لذلك تماما، كما اشير سابقا، في الوقت الذي اختفت عن الحركة السياسية الفلسطينية الديمقراطية بأبسط صورها وتكرس الانقسام والتفرد في صنع القرار خارج المؤسسات وخلافا لما تقره هذه، ومعها اختفت معالم مشروع وطني جامع.
رابعا، تشويه وتزييف تاريخ وجغرافيا وديموغرافيا فلسطين ونضال شعبها
يسود لغة الخطاب المتداول عن تاريخ وجغرافيا وديموغرافيا ومستقبل فلسطين تأثيرات واضحة لمفردات ومفاهيم الرواية الصهيونية. والحديث هنا لا يخص فقط المفردات الإسرائيلية والصهيونية التي تواصل التشويه والتزوير والتغيير في معالم فلسطين وأسمائها، ولا خطاب المؤسسات الحاكمة في أمريكا والغرب عموما، بل يشمل، اللغة السائدة في الصحافة العالمية والدوائر الدبلوماسية الإقليمية والدولية، ونجده ولحد لافت، في خطاب النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية الفلسطينية. الخطاب السائد ينطوي على تشويه وتزييف وتحريف مقصود للرواية التاريخية والنضالية للشعب الفلسطيني، ولجغرافيا فلسطين عبر تعابير ومفردات متنوعة، تحمل اختزال فلسطين التاريخية إلى ما لا يتجاوز الضفة الغربية وقطاع غزة؛ اعتبار، في أحسن الأحوال، احتلال إسرائيل لهاذين الإقليمين هو جوهر المسألة الفلسطينية؛ حصر الشعب الفلسطيني في الجزء المقيم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو، حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يشكل نحو 38% من مجمل عدد الفلسطينيين؛ مواصلة تدمير المعالم الطبيعية والأثرية والبيئية في الضفة وغزة كامتداد للتدمير الذي لحق بالمعالم التاريخية والبيئة الحيوية في الأراضي التي احتلت عام 1948؛ افتراض أن قيام دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة كافٍ لإزالة الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني؛ تسويق أسطورة أن التنمية “المستدامة” والازدهار الاقتصادي والديمقراطية يمكن تحقيقها في ظل احتلال استيطاني استعماري عنصري.
أمام هذا الوضع مطلوب من الثقافة الفلسطينية ومعها الثقافة العربية المستنيرة والتقدمية بحقولها المختلفة – و هنا دور بارز للشباب بشكل خاص – حماية الرواية التاريخية الفلسطينية بفصولها المختلفة (داخل فلسطين التاريخية وخارجها) كما خبرتها وتعرفها مكونات الشعب الفلسطيني على امتداد أكثر من مائة عام. وعلينا إدراك أن للقيم التحررية والديمقراطية جذوراً عميقة في التاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية قبل النكبة وبعدها، وما زال الحقل الثقافي الفلسطيني العربي يحتضن تياراً ديمقراطياً يرفع عالياً مبادئ التعددية الفكرية والسياسية والتعايش وقيم الانعتاق والمساواة والحرية وفصل الشأن السياسي عن الشأن الديني، والوقوف ضد اقتحام الحقلين السياسي والثقافي من الاتجاهات اليمينية الرجعية والدينية الأصولية والتكفيرية التي تقدّس الجهل والخرافة والتخلف.
عدد وافر من المثقفين الفلسطينيين الفاعلين في مجالات الثقافة المختلفة (الشعر، الرواية، القصة، الفن التشكيلي، السينما، المسرح، الغناء) أو من المؤرخين والمفكرين، حمل وما زال يحمل قيما ديمقراطية تحررية وعلمانية (بمعنى فصل الدين عن السلطة السياسية أو الدولة). وهذا التوصيف للثقافة الفلسطينية ظهر مبكرا (قبل قرن من الزمن)، وشكل أحد سمات الحركة الوطنية الفلسطينية التي حرصت منذ بداية تشكيلها في عشرينات القرن الماضي على توكيد طابعها الوطني العلماني في مواجهة الحركة الصهيونية التي تبنّت سردية دينية مسيّسة ولا تاريخية، بل وخرافية.
لقد اعتمدت منظمة التحرير خلال عقدي السبعينات والثمانيات رؤية علمانية ومن منطلق أن الدين لله والوطن للجميع ورفض تدخل الشأن الديني بالشأن السياسي والعكس. لكن هذا أخذ في التراجع بفعل تهميش منظمة التحرير بفعل ما دخل من تحولات على العالم والإقليم ساهمت في تشويه العلاقة بين الدين والسياسة والمجتمع المدني، وأجازت استخدام الدين في خدمة مصالح نخب حاكمة أو تسعى للحكم، واستخدامه للتعتيم على قهر وقمع واستبداد وفساد النخب الحاكمة. وعلى جيل الشباب قبل غيره حماية الحقل الثقافي (الأدبي والفني والأدائي)، من دكتاتورية الجغرافيا السياسية ومن تشويهات الرأسمالية المتوحشة، والتأثيرات القوى الرجعية ومن المبالغة في تأثير موازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية دون الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى القيمية والأخلاقية ودور التضامن الشعبي العربي والدولي لحقوق الشعب الفلسطيني، ووزن حركة التحرر الفلسطينية إن ترابطت وتوازنت فعالياتها ومقاومتها لدى مكونات الشعب الفلسطيني جميعها، وأن أدركت مأزق كل من الحركة الصهيونية والنظام السياسي الإسرائيلي العنصري.
تنامى في العقدين الأخيرين حضور ثقافي فلسطيني نشط في مجالات الأدب والفن والسينما والمسرح والغناء والموسيقى والفكر، بمساهمة شبابية متميزة وبحضور كثيف للشباب في الجامعات ودور مميز، لحد ملحوظ، للشباب في مراكز البحث والتفكير والدراسات الاستراتيجية في الحراكات المختلفة في المجتمعات والتجمعات الفلسطينية الأساسية، وهو ما يعول على تناميه في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الحركة السياسية الفلسطينية.
ما سبق يشير أن مهمة النضال الوطني الفلسطيني التاريخية تتمثل في تقويض البنية الاستعمارية الاستيطانية والعنصرية التي فرضت بالقوة على أرض فلسطين وتمنع الحرية وممارسة تقرير المصير عن شعبها، وهي مهمة لا تختزل بدحر الاحتلال عن الجزء الذي احتل واستعمر في العام 1967، وإن شكل هذا أحد أركانها المهمة. استهداف دحر الأيديولوجية الصهيونية ومؤسساتهما وتقويض بنية إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية لا يأتي نتيجة فشل مشروع إقامة دولة على الضفة والقطاع، بل له علاقة وثيقة بالحاجة إلى مشروع يقوم على العدالة والمساواة وإنهاء الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
خامسا، مأزق السلطة المركب
تعيش السلطة الفلسطينية وسلطة حماس في غزة أزمة اقتصادية خانقة بحكم خضوعها لاستعمار استيطاني عنصري وفقدانها أبسط مكونات السيادة واعتمادهما (في رام الله وغزة) إلى حد كبير على التحويلات المالية من الخارج. وفي حال فقدت القدرة على دفع رواتب موظفي أجهزتها المدنية والأمنية، فإنها تصبح قابلة للانهيار. وتترافق الأزمة المالية مع أزمة داخلية للسلطة في رام الله، اشتدت بعد انتفاضة القدس ومعركة سيف القدس، وبعد جريمة تصفية نزار بنات وما أحدثته من تحركات. وهي تعيش أزمة تقادم الشرعيات (الديمقراطية والثورية) ومأزق سياسي إثر انسداد الأفق أمام حل الدولتين واختفاء مشروع وطني له اجماع وطني، يتفاقم مع النهب الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وتسارع وتائر الضم والاقتلاع وتدمير المنازل وتهجير السكان، واتضاح سمة نظام “الفصل العنصري” الاسرائيلي و”جرائم حربها” وفقاً للقانون الدولي الإنساني. هنا جوهر المسالة الفلسطينية التي علينا جميعا، بما فينا الشباب، ادراكها وبناء استراتيجيتنا النضالية وفقها.
خامسا، مأزق المشروع الاستعماري الصهيوني
تمكّن الحركة الصهيونية من تطهير من جزء وازن من شعب فلسطين وإقامة دولة تمييز عنصري على أرضه لا يستوجب إغفال أنها ودولتها إسرائيل فشلتا، حتى الان، في إبعاد مما لا يقل عن نصف الشعب الفلسطيني عن أرضه، وأخفقتا بشدة في إخماد الروح الوطنية لدى جزء الشعب الفلسطيني المقيم على أرضه وكذلك في إخماد هذه الروح لدى فلسطيني اللجوء والشتات، كما أبرزت ذلك مؤخرا هبة أيار عام 2021. فعدد الفلسطينيين المقيمين في فلسطين التاريخية لا يقل عن عدد الإسرائيليين اليهود. ومع تمسك الغالبية العظمى من الفلسطينيين بحقوقهم الوطنية، يكمن مأزق المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. وعلى الشباب الفلسطيني، قبل غيرهم، أن يعوا ذلك. وعليهم بناء على ذلك أن يتبنوا رؤية جديدة للمسألة الفلسطينية تؤكد على النكبة الفلسطينية المستمرة منذ العام 1948، وترسم فلسطين وفق حدودها التاريخية (الانتدابية)، وطرح على اليهود الإسرائيليين صيغة حل ديمقراطي وإنساني بديلاً عن الحل الاستعماري الاستيطاني والاحتلالي المتبنى من غالبيتهم العظمى حالياً، ودعوتهم لاستنكار الأيديولوجية الصهيونية بسبب نظرتها العنصرية وعقيدتها الاستيطانية الاحلالية. كما حدث للعنصريين في جنوب أفريقيا وغيرها. شرط نجاح هذا تمسك الشباب الفلسطيني برواية أو سردية الشعب الفلسطيني التاريخية ومواصلة النضال والمقاومة بأشكالهما المختلفة ضد الاستيطان الاستعماري والتمييز العنصري وبحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه الأم، وحقة في تقرير مصيره.
خروج إسرائيل من مأزقها الاستراتيجي يشترط اعترافها، وهذا لن يتم في المدى القريب، بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرض وطنه. وعلى مكونات الشعب الفلسطيني مناقشة مشروع إقامة دولة ديمقراطية واحدة على حدود فلسطين الانتدابية بما يمكن الشعب الفلسطيني (بكل مكوناته) من ممارسة حقه في تقرير المصير على أرضه، والتعايش مع اليهود الإسرائيليين وفق أسس ديمقراطية حقيقية ووفق مبادئ المساواة الكاملة. وهو مشروع نضالي يستدعي نفسا طويل وإدراك أن أي حل آخر لن يكون عادلا ولا مستداما. وحتى تطرح الحركة السياسية الفلسطينية هذا المشروع برؤيته المتكاملة لا بد من إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس تمثيلية وديمقراطية جامعة لحقوق ومصالح الكل الفلسطيني دون أن يعني هذا تجاهل شروط وواقع وإمكانيات كل مكون من مكونات هذا الكل. هناك مؤشرات متنامية عن أن هذا الفهم الجديد للمسألة الفلسطينية وشرط حلها آخذة في التبلور بين قوى شبابية داخل فلسطين وخارجها. ومؤشرات عن وعي فلسطيني ينمو بسرعة ملحوظة باستحالة التعايش مع الصهيونية كأيديولوجية عنصرية ومع إسرائيل كدولة ذات نظام استعماري استيطاني عنصري همه الأساسي الحيلولة دون تحقيق الشعب الفلسطيني لحريته وحقوقه، ونحتاج في مواجهتها إلى استراتيجية نضالية طويلة المدى والنفس. لكن النظام السياسي الإسرائيلي للأسباب التي وردت نظام مأزوم بحكم تكوينه على أسس أثنية وقومية ودينية وطبقية واستعمارية وليس ديمقراطية تعددية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
كون الشعب الفلسطيني، بمكوناته المتعددة، يواجه استعمارا شرسا يملك إمكانات واسعة فإننا بحاجة دائمة لمبادرات تمكينية، وفي هذا دور رئيسي للشباب، أحد مكونات هذه المبادرات اعتمادها على التكامل بين أهداف واستراتيجيات مكونات الشعب الفلسطيني، كما تجلت خلال الانتفاضة الأولى، وخلال هبة أيار 2021 وما ولدته كل منها من تعاطف شعبي واسع عربياً وإقليمياً ودولياً.
ونحن كشعب بحاجة إلى أن نتعلم، وفي هذا دور مهم للشباب، أسس وأساليب بناء وإدامة روابط ا جامعة بين مكونات الشعب الفلسطيني تتخطى ضوابط الجغرافيا السياسية (كالاتحادات، والنقابات، والأندية، والمجموعات الضاغطة والحركات أحادية الهدف)، والاستفادة، في هذا السياق من تجربة هبة أيار الماضي ومن تجربة حركة مقاطعة إسرائيل “BDS” التي تحشد قوى سياسية واجتماعية مختلفة حول أهداف موحدة، ومن تجارب المقاومة الناجحة ومما توفره وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات التكنولوجيا الرقمية الجديدة.
أفكار أولية حول سبل تمكين الشباب
ما يقع على الشعب يصيب فئاته المختلفة، بما فيها جيل الشباب، فهو جزء من الشعب ومجتمعاته، ولا يقيم خارج مشكلاته وواقعه. ومن هنا فالحديث عن صراع أجيال فلسطينية حديث مضلل، وأي عزل للشباب عن بقية فئات الشعب لن يفيد لا قضية الشباب ولا قضية الشعب ككل. هذا لا يعني تجاهل التباينات الناتجة عن اختلاف التجارب السياسية والحياتية والثقافية بين الأجيال والأفراد وفق تكوبن المجتمع الذي يقيم فيه كل جزء من الشعب. لكن الجامع بين الأجيال بحكم الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري والتشرد واللجوء يشمل كل الفئات العمرية والجامع في الرواية التاريخية -وإن تباينت فصولها المعايشة حسب التجمع -هو الرابط بين الكل الفلسطيني. كما ان هذا لا يلغي التباين في الحاجات بين الأجيال.
ليس من الصحيح وضع الشباب في سلة واحدة دون الانتباه إلى التباينات الناتجة عن التجربة التي يمنحها العمر والموقع الاجتماعي والجغرافي. فقد يكون هناك فرقا ملموسا من حيث التجربة الحياتية والاجتماعية والسياسية بين من هم في سن السابعة عشر ومن هم في سن الثانية والعشرين أو التاسعة والعشرين؛ هناك التباين حسب النوع الاجتماعي (بين الشباب والشابات) وتحديداً في مجتمع تهيمن عليه ثقافة ذكورية و التمايز بين الذكور والاناث في القيود على الحركة والمشاركة في مجالات الحياة المختلفة؛ هذا بالإضافة التباينات المترتبة عن الموقع (الموقع في سوق العمل وفي الملكية والدخل، ونوع العمل)، والمستوى التعليمي (بين مستوى أساسي وثانوي وجامعي على سبيل المثال) وعن الموقع السكني (مدينة، مخيم، قرية)؛ وتباينات ناتجة عن التجربة في مجال العمل السياسي والحزبي.
في الحالة الفلسطينية هناك تباينات ناتجة عن الاختلافات الواسعة بين أوضاع التجمعات الفلسطينية (الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، القدس، بقية الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، سوريا، دول الخليج، والمناطق الأخرى من العالم). كما برز في الدراسات عن الشباب اختلافات واسعة في الانتماء السياسي-التنظيمي وفي التوجهات الفكرية والاجتماعية والتي تتراوح بين إسلامية شديدة التزمت، إلى إسلامية منفتحة، إلى ليبرالية، إلى يسارية، وهناك تلوينات داخل كل من هذه الفئات.
الموضوع المطلوب مناقشته بين الشباب هو سبل وأفق تفعيل دور الشباب يما يساهم في تفعيل دور الفئات العمرية الأخرى في التجمعات الفلسطينية المختلفة وكيف يمكن تحميل هذا الدور رؤى وقيم تحررية وتقدمية. هذا يعني، حسب رؤيتي للوقع القائم حاليا:
أولا، أن يسعى الشباب كل فئة حسب موقعها الراهن داخل الأحزاب السياسية، وفي النقابات (وتحديدا النقابات العمالية) وفي الاتحادات القطاعية (المرأة والطلاب وتحديدا في الجامعات والكليات، والمهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم) لجعل هذه الروابط أكثر تمثيلاً لمصالحهم وتطلعاتهم التحررية والديمقراطية كشباب وكقطاع أو فئة اجتماعية أو مهنية. بتعبير آخر على الشباب والشابات في الأطر المختلفة (أحزاب، اتحادات، ونقابات ومنظمات مجتمع مدني) العمل من أجل توسيع مشاركتهم في صنع القرار (باعتبار هذا حق) وفي تلمس مصالحهم وطموحاتهم والاستجابة لها، بما يساهم في دمقرطة هذه الأطر وبالتالي دمقرطة المجتمع، هذا أولا، وبما ينمي ويعمق من دورها في مقاومة الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري وفي تعميق الالتزام بحقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني.
ثانيا، العمل على جعل هذه التنظيمات والنقابات والروابط أكثر تمثيلاً على الصعيد الوطني عبر توليد روابط بينها تتجاوز حدود الجغرافيا السياسية. أي توليد، بالقدر المستطاع، روابط بين مكونات الكل الفلسطيني (بيت الضفة وغزة والقدي و48، تم مع الشتات ومجتمعات اللجوء) وهذا لن يكون سهلا ولن يتم بسهولة وقد لا يتم، لكن ينبغي المحاولة قبل اللجوء إلى مبادرات أخرى.
ثالثا، يمكن أن يترافق الجهد الأول والثاني (او كبديل لهما في حال باءا بالفشل) مبادرات شبابية محلية على صعيد القرية والمخيم والمدنية تتناول اهتمامات وقضايا تهم الشباب وقد تهم فئات أخرى من المجتمع. بل ينبغي أن تسعى هذه المبادرات لأن تشرك في نشاطاتها وفعالياتها فئات من أعمار أخرى وفق ما يستدعيه النشاط والمناسبة، ومن خارج موقع المجموعة الشبابية.
رابعا، على صعيد توليد روابط جامعة قد يكون الأجدى والأسهل (بحكم وجود حيز مكاني محدد للطلية الجامعيين وبكم السمة المشتركة الجامعة للطلاب وما يتمتعون به من قدرات ومواهب واهتمامات متعددة) في بذل جهد حثيث من أجل تشكيل اتحاد عام لطلبة فلسطين، على غرار ما كان قائما قبل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، يضم الطلبة في الجامعات الفلسطينية والطلبة الدارسين في الجامعات الآخرين وإيجاد صيغة متفق عليها لتمثيل الكتل الطلابية المختلفة (سياسيا وجغرافيا) في تشكيل الأمانة العامة للاتحاد بعد تشكيل فروعه. كما من السهل أن يبادر الطلبة الجامعيين كل في جامعته بمبادرات شبابية حسب المناسبة الوطنية والحاجة الشبابية والمجتمعية واشراك شباب من جامعات أخرى وفق نوع النشاط ووسيلة الاشراك. هذا يمكن أن يسري على تشكيل اتحاد عام للمرأة والمهن المختلفة (مهندسين، محامين، معلمين، الخ) يقوم الشباب (والشابات بالطبع) بدور مبادر ونشط.
خامسا، بالنسبة للشباب الذين هم خارج الأطر السياسية والمجتمعية فأمامهم المبادرة لتشكيل نوادي أو ملتقيات أو منتديات (رياضية، ثقافية، اجتماعية وقضايا سياسية وطنية)، وخاصة أمام ما يعانونه من معدلات عالية من البطالة وما يعترض طريقهم من قيوداً على الحركة والتنقل من قوى الاحتلال ومن سلب للمستقبل. قد تتبنى هذه التشكيلات قضايا محددة تسعى من أجل تحقيقها وبعد تحقيقها تنتقل لقضايا أخرى مستفيدة من تجربتها السابقة. وهنا يجب الاستنارة بدلالات بهبة أيار 2021 وما تلاها وسبقها من أحداث وتطورات، بما في ذلك تأجيل الانتخابات التشريعية (التي طرحت دون مناقشة مستفيضة لأهدافها في المرحلة الراهنة وجرى تأجيلها دون مناقشة وأخذ أراء القوى السياسية والمدنية) وقتل الناشط نزار بنات، ومواجهة التظاهرات المطالبة بالديمقراطية والعدالة، بالقمع المكشوف.
هناك العديد من القضايا التي يمكن أن تشكل محاوراً للعمل الشبابي، منها مواجهة ظاهرة “الأسرلة” بين فلسطينيي 1948، والتمييز العنصري ومعدلات الجريمة العالية، ومحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة في معظم، إن لم يكن جميع المجتمعات والتجمعات الفلسطينية، ومناقشة حلول لإخراج الحركة السياسية الفلسطينية من بعثرتها. ومن هذه القضايا توليد ضغوط من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، وتأمين مياه صالحة للشرب لسكانه، وتأمين المتطلبات الصحية الضرورية للمواطنين، وتنمية الاقتصاديات المحلية (القرية، المدينة، المنطقة، المخيم)، وحماية التراث المعماري، ودعم النشاط الفني (بما في ذلك المسرح والرسم والغناء والأشغال اليدوية) والثقافي، والتعرف على تاريخ ومعالم المنطقة، ومناقشة سبل إرساء الديمقراطية والحق في التعبير والتنظيم والديمقراطية الأصيلة والشفافية والمحاسبة ي الهيئات المحلية والوطنية الفلسطينية.
من الضروري أن تتولى التشكيلات الشبابية الاعتماد بشكل أساسي على العمل التطوعي وعلى إشراك، المجتمع المحلي في نشاطاتها وتمويل هذه النشاطات إن احتاجت ذلك. هذا لا يعني اغفال إمكانية تلقي العون والدعم غير المشروطين سواء من مؤسسات وطنية (هناك مؤسسات وطنية تقدم أشكال من الدعم والتسهيلات المكانية وغيرها) أو من أفراد ميسورين.
ملاحظة أخيرة:
يستخدم الجيل الشاب، وهو أمر يثمن له، وسائل التواصل الاجتماعي بسهولة وسرعة أكبر من غيره ويتميز بكفاءة في استخدام اللغات الأجنبية والانجليزية بصفة خاصة في مواجهة التضليل الإسرائيلي بشكل خاص والغربي والعربي الرسمي (بما فيها السلطة الفلسطينية بشقيها) بشكل عام، وهو يخاطب، وهذا المطلوب حقاً، بالأساس الجمهور بشكل عام ومؤسسات المجتمعات المدني بشكل خاص في توسيع مناصرة قضية الشعب الفلسطيني مدركاً أن ميزان القوى غير متكافئ بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل. الجيل الشاب يتصرف بحرية وهو يدرك أنه لا يملك الكثير ليخسره: لا مصالح تكونت له بعد، بل في أغلبيته مستثنى منها، ولا حسابات ضيّقة ولا ديبلوماسية انتهازيّة ومنافقة لديه بل يسعى لتوليد مهارة الفعل في الواقع المعاش، واثبات القدرة، بوسائل متنوعة، على طرح قضيّة شعبه من منظور تاريخي إنسانيّ وحقوقيّ فعليّ مستفيداً من “النشاطيّة المعولمة” حيث تتشابك الحركات الثوريّة التحررية المناهضة للقمع والاستعمار ونظم الهيمنة. وهو يلمس تقاطع نضالات الأقليات المقهورة والمستثناة مع حركات السكّان الأصليين، المهاجرين، والمهمشين مع النضال الفلسطيني وشعاره إنّ حرية الفلسطينيين وحياتهم مهمّة.