ربيع الجامعات الأمريكية.. بداية تفكك الرواية الصهيونية.. ولكن!

TR30 أبريل 2024آخر تحديث :
ربيع الجامعات الأمريكية.. بداية تفكك الرواية الصهيونية.. ولكن!

بقلم: جمال زقوت

 كشفت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا في قطاع غزة، كواحدة من أبشع جرائم العصر الحديث بغطاء ودعم كاملين، وغير مسبوقين، من إدارة بايدن وحلفائها، طبيعة ومضمون المشروع الصهيوني والأهداف الخفيّة لهذه الحرب، التي ما زالت تستهدف القضاء على كل عناصر الحياة في القطاع، تمهيداً لتنفيذ التهجير الجماعي الواسع النطاق استكمالاً لما لم تتمكن الحركة الصهيونية من تحقيقه خلال نكبة 1948.

فلم تمضِ أسابيع قليلة على بدء الحرب، والتي أدت حتى الآن إلى قتل وجرح وفقدان ما يزيد على المئة وعشرين ألف إنسان 70% منهم من الأطفال والنساء، والتدمير الكامل للمشافي والمدارس وشبكات المياه والصرف الصحي ومحطات تنقية المياه وشبكات الطرق والكهرباء وأكثر من 90% من الوحدات السكنية، وغيرها من بنى المجتمع التحتية، حتى عَمَّت المظاهرات معظم عواصم ومدن العالم في انتفاضة كونية متواصلة تطالب بوقف هذه الحرب الدموية.

موقف الادارة: السلاح لإسرائيل واللغو لنا

تَواصُل الحرب التي تدخل شهرها الثامن، في ظل مواقف الإدارة الأمريكية التي تتباكى على حياة المدنيين، بينما تواصل تقديم كل أنواع أسلحة القتل والتدمير ومعها مليارات الدولارات من جيوب دافعي الضرائب الذين يرفضون هذه الحرب، واستخدام الإدارة المتكرر للڤيتو ضد محاولات السعي لوقفها، وأيضاً تهاوي زيف رواية حكومة الاستيطان والإبادة، ذلك كله وغيره من الأسباب التي فَتّحت عيون وأيقظت ضمائر الشعوب الحرة، ودفعت طلبة جامعات النخبة الأمريكية، والأوروبية لتحركات تُذَكِّر بدورها التاريخي إزاء حرب ڤيتنام، والتي ساهمت في وقفها، كما تُذَكِّر بمقاطعة وفرض العقوبات على نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا حتى إسقاطه.

القمع لن يوقف الثورات بل يؤججها

كما في كل الثورات الشعبية أو الطلابية، فإن صيرورة استمرارها تُستمد بالإضافة لعدالة القضايا المحركة لها، فهي أيضاً تُستمد وتتصاعد من محاولات قمعها، وهذا ما تؤكده شرارة محاولات قمع جامعة كولومبيا، التي سرعان ما تصاعدت و اتسعت إلى ما يزيد عن عشرين جامعة في العديد من الولايات، وقد وحَّدت مطالبها بمقاطعة العدوانية الإسرائيلية وسحب الاستثمارات منها، والتوقف عن تسليحها، بالإضافة إلى ضمان حرية الرأي والتعبير بإلغاء كل الإجراءات القمعية التي اتخذت بحق الطلبة والأساتذة فيها.

فزاعة اللاسامية

لقد فَنَّد السيناتور بيرني ساندر أكاذيب نتانياهو وادعاءاته بأن ربيع الجامعات الأمريكية جزء مما يسميه” معاداة السامية” كفزّاعة لمنع الأصوات المنددة بجرائم الابادة الجماعية، كما أظهرت أصوات العديد من النشطاء اليهود، الذين يرفضون هذه الجرائم ويقود الكثير منهم مظاهرات المدن الأمريكية واعتصامات ربيع الجامعات، زيف ادعاءات نتانياهو و الرواية الصهيونية برمتها.

عودة إلى دور الرأي العام الدولي وخاصة الأمريكي وانتفاضة الجامعات في النموذجين الڤيتنامي والجنوب أفريقي، ومقارنتهما بالحالة الفلسطينية وطبيعة المشروع الصهيوني العنصري. فالنموذج الجنوب أفريقي تسَلَّح تحت قيادة مانديلا والمؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة توافقية موحّدة إلى حد بعيد، والأمر ذاته اتسمت به التجربة الفيتنامية تحت قيادة الزعيم الڤيتنامي هوشي منه والجنرال جياب والجيش الشعبي الڤيتنامي. فوحدة القوى المناهضة للعنصرية والاستعمار و وضوح الرؤية والاستراتيجية والخطاب في إطار الجبهة الوطنية والمؤسسات الجامعة كانت العنصر الحاسم لانتصار الثورتين في كل من جنوب أفريقيا وڤيتنام.

 بينما في الحالة الفلسطينية، ورغم ما أظهرته حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة، والمترافقة مع جرائم حرب الضم والتطهير العرقي التي تنفذها منظمات حركة الاستيطان الإرهابية في الضفة الغربية، التي باتت تسيطر على أجزاء واسعة من الحكومة والجيش الإسرائيليين، واستهداف المشروع الصهيوني لمجمل مكونات الحقوق والقضية والأرض الفلسطينية، إلا أنه ما تزال حالة الانقسام والشرذمة تسيطر على الواقع الفلسطيني، حيث يستمر وهم اللهاث لاسترضاء العدو لدرجة اعتبار أمن إسرائيل العنصرية، التي ترتكب جرائم الإبادة والتطهير العرقي، واجباً وأولوية فلسطينيتين!

إن استثمار ربيع الجامعات الأمريكية، وربطه برافعة النضال الوطني التحرري، يستدعي كأولوية وطنية عليا، ليس فقط القطع مع وهم الرهان على السياسة الأمريكية التي كشفت زيف مواقفها بالڤيتو على مجرد قبول فلسطين عضواً في الأمم المتحدة لصون ما يسمى ب “حل الدولتين”، بل يستدعي كذلك التراجع الفوري على سياسات الإقصاء والتفرد بالقرار الوطني، وكل محاولات هندسة النظام السياسي الفلسطيني وفق الرغبات الإسرائيلية، التي تسعى لتكريس الانقسام، بل و دفعه نحو انفصال دائم يمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وبما يُمكِّنها من تصفية القضية والحقوق الفلسطينية. ليس أمام الحركة الوطنية الفلسطينية سوى نفض غبار مرحلة الانقسام والعودة لصيغة الجبهة الوطنية بمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية الحية التي طالما جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية في سنوات صعودها وإبداعات انتفاضاتها الكبرى وتجربة الجبهة الوطنية ولجان التوجيه الوطني.

كما أن النجاح في استثمار ربيع الجامعات الأمريكية والدولية، وانتفاضة شعوب العالم يستدعي من النخب والقوى الديمقراطية والحركات الطلابية والشبابية الفلسطينية والعربية التفاعل معها كجزء لا يتجزأ من التحولات الكونية من أجل الحرية والعدالة، والتضامن الإنساني بين شعوب العالم وحضاراته وأديانه وتراثه الإنساني التقدمي.

نعم، إن خطابنا الوطني الموحد في إطار تقدمي كما أظهرته التجربتان الڤيتنامية والجنوب أفريقية، هو السبيل للاندماج مع الحراكات الكونية المناضلة من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية بديلاً لبقايا أنظمة الاستعمار والظلم والاستبداد والمس بكرامة البشر.

دور الجامعات والحركات الطلابية الفلسطينية

أخيراً، يبقى السؤال البديهي والمُلّح وهو أين الجامعات العربية من حرب الإبادة، والأهم متى ستتحرك الجامعات الفلسطينية برؤية موحدة تتلاقى مع ربيع الجامعات الأمريكية من ناحية، وتكون في نفس الوقت حراكاً جماهيرياً جدياً لاستعادة الوحدة الوطنية واستنهاض طاقات شعبنا في معركة التحرر الوطني وترسيخ البناء الديمقراطي، وما يستدعيه ذلك من بناء حكومة وحدة وتوافق وطني قادرة على مواجهة مخططات التهجير بما يتطلبه ذلك من ترسيخ القدرة على البقاء والصمود بكل متطلباتها.

الاخبار العاجلة
مركز الأرض للأبحاث والدراسات والسياسات يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق